Friday, March 11, 2016

منام الشيخ المفيد

عن الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد النعمان ـ رضى الله عنه ـ قال: رأيت في المنام سنة من السنين كأني قد اجتزت في بعض الطرق فرأيت حلقة دائرة فيها أناس كثيرة، فقلت: ما هذا؟
فقالوا: هذه حلقة فيها رجل يعظ.
قلت: ومن هو؟
قالوا: عمر بن الخطاب، ففرقت الناس ودخلت الحلقة فإذا أنا برجل يتكلم على الناس بشيء لم أحصله فقطعت عليه الكلام. وقلت: أيها الشيخ أخبرني ما وجه الدلالة على فضل صاحبك أبي بكر عتيق بن ابي قحافة من قول الله تعالى: (ثاني اثنين إذ هما في الغار) (2).
فقال: وجه الدلالة على فضل أبي بكر في هذه الآية على ستة مواضع:
الاول: أن الله تعالى ذكر النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ وذكر أبابكر وجعله ثانيه، فقال: (ثاني اثنين اذ هما في الغار).
والثاني: وصفهما بالاجتماع في مكان واحد لتأليفه بينهما فقال: (اذ هما في الغار).
والثالث: أنه اضافه إليه بذكر الصحبة فجمع بينهما بما تقتضي الرتبة فقال: (اذ يقول لصاحبه).
والرابع: أنه أخبر عن شفقة النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ ورفقه به لموضعه عنده فقال: (لا تحزن).
والخامس: أخبر أن الله معهما على حد سواء، ناصراً لهما ودافعاً عنهما فقال: (ان الله معنا).
والسادس: أنه أخبر عن نزول السكينة على أبي بكر لان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ لم تفارقه سكينته قط، قال: (فأنزل الله سكينته عليه) (3).
فهذه ستة مواضع تدل على فضل أبي بكر من آية الغار، حيث لا يمكنك ولا غيرك الطعن فيها.
فقلت له: خبرتك بكلامك في الاحتجاج لصاحبك عنه وإني بعون الله سأجعل ما أتيت به كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف.
اما قولك: إن الله تعالى ذكر النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ وجعل ابا بكر معه ثانيه، فهو إخبار عن العدد، ولعمري لقد كانا اثنين، فما في ذلك من الفضل ؟! فنحن نعلم ضرورة أن مؤمنا ومؤمنا، أو مؤمنا وكافراً، اثنان فما أرى لك في ذلك العد طائلاً تعتمده.
وأما قولك: إنه وصفهما بالاجتماع في المكان، فإنه كالأول لان المكان يجمع الكافر والمؤمن كما يجمع العدد المؤمنين والكفار، وأيضاً: فإن مسجد النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أشرف من الغار، وقد جمع المؤمنين والمنافقين والكفار، وفي ذلك يقول الله عز وجل: (فما للذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين)(4) ، وأيضا: فإن سفينة نوح ـ عليه السلام ـ قد جمعت النبي، والشيطان، والبهيمة، والكلب، والمكان لا يدل على ما أوجبت من الفضيلة، فبطل فضلان.
وأما قولك: إنه أضافه إليه بذكر الصحبة، فإنه أضعف من الفضلين الاولين لان اسم الصحبة تجمع المؤمن والكافر، والدليل على ذلك قوله تعالى: (قال له صاحبه وهو يحاوره اكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً) (5) وأيضا: فإن اسم الصحبة يطلق على العاقل والبهيمة، والدليل على ذلك من كلام العرب الذي نزل بلسانهم، فقال الله عز وجل: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه)(6) أنه قد سموا الحمار صاحبا فقال الشاعر(7) :
إن الحمار مع الحمير مطية ... فإذا خلوت به فبئس الصاحب
وأيضا: قد سمّوا الجماد مع الحي صاحبا، فقالوا ذلك في السيف وقالوا شعرا:
زرت هنداً وكان غير اختيان ... ومعي صاحب كتوم اللسان(8)
يعني: السيف، فإذا كان اسم الصحبة يقع بين المؤمن والكافر، وبين العاقل والبهيمة، وبين الحيوان والجماد، فأي حجة لصاحبك فيه ؟!
وأما قولك: إنه قال: (لا تحزن) فإنه وبال عليه ومنقصة له، ودليل على خطئه لان قوله: (لا تحزن)، نهي وصورة النهي قول القائل: لا تفعل فلا يخلو أن يكون الحزن قد وقع من أبي بكر طاعة أو معصية، فإن كان طاعة فالنبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ لا ينهى عن الطاعات بل يأمر بها ويدعو إليها، وإن كانت معصية فقد نهاه النبي عنها، وقد شهدت الاية بعصيانه بدليل أنه نهاه.
واما قولك: إنه قال: (ان الله معنا) فإن النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ قد أخبر أن الله معه، وعبر عن نفسه بلفظ الجمع، كقوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (9) وقد قيل أيضا إن أبا بكر، قال: يا رسول الله حزني على علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ ما كان منه، فقال له النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ: (لا تحزن فإن الله معنا) أي معي ومع أخي علي بن أبي طالب ـ عليه السلام.
وأما قولك: إن السكينة نزلت على أبي بكر، فإنه ترك للظاهر، لان الذي نزلت عليه السكينة هو الذي أيّده الله بالجنود، وكذا يشهد ظاهر القرآن في قوله: (فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها) (10) . فإن كان أبو بكر هو صاحب السكينة فهو صاحب الجنود، وفي هذا اخراج للنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ من النبوة على أن هذا الموضع لو كتمته عن صاحبك كان خيراً، لان الله تعالى انزل السكينة على النبي في موضعين كان معه قوم مؤمنون فشركهم فيها، فقال في أحد الموضعين:
(فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى) (11) وقال في الموضع الاخر: (ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها)(12) ولما كان في هذا الموضع خصه وحده بالسكينة، فقال: (فانزل الله سكينته عليه) فلو كان معه مؤمن لشركه معه في السكينة كما شرك من ذكرنا قبل هذا من المؤمنين، فدل إخراجه من السكينة على خروجه من الايمان، فلم يحر جوابا وتفرق الناس واستيقظت من نومي(13) .
(1) تجد ترجمته في: اوائل المقالات في المذاهب والمختارات للشيخ المفيد المقدمة ص16، سير أعلام النبلاء ج17 ص344 رقم: 213. تاريخ بغداد ج3 ص231، الذريعة ج2 ص209، ميزان الاعتدال ج4 ص30، لسان الميزان ج5 ص 368، رجال النجاشي ص283، الفهرست للشيخ الطوسي ص157.
(2) سورة التوبة: الاية 40.
(3) سورة التوبة: الاية 27.
(4) سورة المعارج: الاية 37.
(5) سورة الكهف: الاية 35.
(6) سورة ابراهيم: الاية 4.
(7) هو اميه: بن أبي الصلت، راجع: كنز الفوائد ج2 ص50.
(8) قد ورد في كنز الفوائد ج2 ص50 للكراجكي هكذا:
زرت هنداً وذاك بعد اجتناب ... ومعي صاحب كتوم اللسان
(9) سورة الحجر: الاية 9.
(10) سورة التوبة: الاية 41.
(11) سورة الفتح: الاية 26.
(12) سورة التوبة: الاية 27.

تتمة...

Friday, December 11, 2015

من معاجز الاسراء

 قال الصادق (عليه السلام): لما اسري برسول الله (صلى الله عليه وآله) في طريق مر على عير في مكان من الطريق، فقال لقريش - حين اصبح - يا معاشر قريش ان الله (تبارك وتعالى) قد أسرى بي في هذه الليلةمن المسجد الحرام الى المسجد الاقصى - يعني بيت المقدس - حتى ركبت على البراق، وإن العنان بيد جبريل (عليه السلام) وهي دابة اكبر من الحمار، وأصغر من البغل، خطوتها مد البصر، ركبت عليه وصعدت الى السماء، وصليت بالمسلمين وبالنبيين أجمعين وبالملائكة كلهم، ورأيت الجنة وما فيها، والنار وما فيها، واطلعت على الملك كله. فقالوا: يا محمد كذب بعد كذب، ياتينا منك مرة بعد مرة، لئن لم تنته عما تقول وتدعيه، لنقتلنك شر قتلة، أتريد أن تافكنا عن آلهتنا وتصدنا عما يعبد آباؤنا الشم الغطاريف ؟ فقال يا قوم انما اتيتكم بالخير، ان قبلتموه، فان لم تقبلوه فارجعوا وتربصوا اني متربص بكم أعظم مما تتربصون بي وأرجو أن أرى فيكم ما أؤمله من الله فسوف تعلمون. فقال أبو سفيان: يا محمد إن كنت صادقا فانا قد دخلنا الشام ومررنا في طريقنا، فخبرنا عن طريق الشام وما رأينا فيه. فانا قد رأينا جميع ما ثم ونحن نعلم انك لم تدخل الشام، فان أنت أعطيتنا علامة علمنا أنك رسول حق ونبي صدق. فقال: والله لاخبرنكم بما رأت عيناي الساعة، رأيت عيرا لك يا أبا سفيان وهي ثلاثة وعشرون جملا يقدمها ارمك عليه عباءتان قطوانيتان، وفيهما غلامان، احدهما صبيح والاخر رياح في موضع كذا وكذا، ورأيت عيرك يا ابا هشام بن المغيرة في موضع كذا وكذا، وهي ثلاثون بعيرا يقدمها جمل أحمر فيها مماليك أحدهم ميسرة، والآخر سالم، والثالث يزيد، وقد وقع بهم بعير بمحمله فمررت بهم وهم يحملون عليه حمله، والعير تأتيكم في يوم كذا وكذا وهي ساعة كذا وكذا، ووصف لهم جميع ما رأوه في بيت المقدس. فقال أبو سفيان: أما ما كان في بيت المقدس فقد وصفت جميع ما رأينا، وأما العير فقد ادعيت أمرا، فان وافق قولك ما قلت لنا، وإلا علمنا انك كذاب، وأن ما تدعيه الباطل. فلما كان ذلك اليوم الذي أخبرهم أن العير تأتيهم خرج أبو سفيان وهشام بن المغيرة حتى ركبا ناقتيهما وتوجها يستقبلان العير فرأوها في الموضع الذي وصفه لهما النبي (صلى الله عليه وآله) فسالا غلمانهما عن جميع ما كانوا فيه، فاخبروهما بمثل ما اخبرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما أقبلا قالا لهما: ما صنعتما ؟ قالوا جميعا: لقد رأينا جميع ما قلت، وما يعلم أحد السحر الا اياك وإنك لشيطان عالم، ولو رأينا ملائكة من السماء تنزل عليك لما صدقناك، ولا قبلنا قولك، ولا قلنا: انك رسول ولا نبي ولا آمنا بما تقول أبدا، افعل ما شئت فهو سواء علينا أو عظت أم لم تكن من الواعظين، أو عدتنا ام لم توعدنا.

تتمة...

Friday, April 3, 2015

اولاد الامام علي عليه السلام



أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلالم

لم تتّفق كلمة المؤرّخين على عدد موحّد فيما يخصّ عدد أولاده (عليه السلام)؛ فقد ذكر الشيخ المفيد أنّ عددهم سبعة وعشرون ولداً ذكراً واُنثى، فيما ذكر ابن سعد أنّهم يبلغون أربعةً وثلاثين ولداً، وذكر المزّي أنّ عددهم تسعة وثلاثون ولداً.

ويمكن عزْو الاختلاف الموجود في الكتب التاريخيّة حول عدد أولاد الإمام إلى تداخل الأسماء مع الكنى وتكرار البعض منها. وقد تبيّن لنا بعد الفحص والتمحيص أنّ عددهم كان يبلغ أربعةً وثلاثين ولداً، وهم كلّ من:

1 -الإمام الحسن (عليه السلام).

2 -الإمام الحسين (عليه السلام).

3 -زينب.

4 -اُمّ كلثوم.

5 -المحسّن.

اُمّهم فاطمة بنت رسول اللَّه (صلى اللّه عليه واله وسلم). ومحسّن ولدها الآخر الذي سقط وقُتل في هجوم الغوغاء على بيت الوحي.

6 -العبّاس.

7 -عبداللَّه.

8 -عثمان.

9 -جعفر.

اُمّهم اُمّ البنين بنت حِزام. وكلّهم قُتلوا مع الحسين (عليه السلام) بكربلاء.

10 -محمّد ابن الحنفيّة: اُمّه خولة بنت جعفر بن قيس.

11 -أبوبكر: اُمّه ليلى، ولعلّها ابنة مسعود الدارميّة. قُتل مع الحسين (عليه السلام) بكربلاء.

12 -عبيد الله: اُمّه ليلى. قُتل مع الحسين (عليه السلام) بكربلاء.

13 -محمّد الأصغر: اُمّه اُمّ ولد. قُتل مع الحسين (عليه السلام) بكربلاء.

14 -يحيى: اُمّه أسماء بنت عميس. مات في حياة الإمام (عليه السلام).

15 -عون: اُمّه أسماء بنت عميس.

16 -محمّد الأوسط: اُمّه اُمامة.

17 -عمر: اُمّه الصهباء التغلبيّة؛ اُمّ حبيب.

18 -رقيّة: اُمّها الصهباء التغلبيّة؛ اُمّ حبيب. وهي زوجة مسلم بن عقيل، وله منها ثلاثة أولاد، استُشهد منهم عبداللَّه في كربلاء.

19 -اُمّ الحسن: اُمّها اُمّ سعيد. كانت زوجة جَعدة بن هُبيرة -ابن اُخت الإمام (عليه السلام) -ثمّ تزوّجها جعفر بن عقيل. واستُشهد جعفر في واقعة الطفّ. وكانت اُمّ الحسن في سبايا كربلاء.

20 -اُمّ هانئ: تزوّجها عبداللَّه الأكبر ابن عقيل الذي قُتل مع الحسين (عليه السلام) بكربلاء مع ابنه محمّد.

21 -فاطمة: تزوّجها محمّد بن أبي سعيد بن عقيل الذي قُتل مع الحسين (عليه السلام) بكربلاء.

22 -زينب الصغرى: تزوّجها محمّد بن عقيل.

23 -ميمونة: تزوّجها عبداللَّه بن عقيل.

24 -نفيسة: تزوّجها عبداللَّه بن عقيل.

25 -خديجة: تزوّجها عبد الرحمن بن عقيل.

26 -اُمامة: تزوّجها الصلت بن عبداللَّه بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطّلب. ماتت في حياة الإمام (عليه السلام).

27 -رملة الكبرى: اُمّها اُمّ سعيد. تزوّجها عبداللَّه بن أبي سفيان بن الحارث ابن عبد المطّلب.

28 -جُمانة: ماتت في حياة الإمام (عليه السلام).

29 -اُمّ سلمة.

30 -رقيّة الصغرى.

31 -اُمّ كلثوم الصغرى.

32 -رملة الصغرى.

33 -اُمّ الكرام.

34 -اُمّ جعفر.

 

 


تتمة...

Thursday, April 2, 2015

المحرمات في الشريعة الاسلامية


   من أهم المحرمات في الشريعة الاسلامية :
١ ـ اليأس من روح الله تعالى أي رحمته وفرجه.
٢ ـ الأمن من مكر الله تعالى أي عذابه للعاصي. واخذه إيّاه من حيث لا يحتسب.
٣ ـ التعرب بعد الهجرة ، والمقصود به الانتقال إلى بلد ينتقص فيه الدين اي يضعف فيه ايمان المسلم بالعقائد الحقّة أو لا يستطيع ان يؤدي فيه ما وجب عليه في الشريعة المقدسة أو يجتنب ما حرم عليه فيها.
٤ ـ معونة الظالمين والركون اليهم ، وكذلك قبول المناصب من قبلهم الا فيما إذا كان اصل العمل مشروعاً و كان التصدي له في مصلحة المسلمين.
٥ ـ قتل المسلم بل كل محقون الدم ، وكذلك التعدي عليه بجرح أو ضرب أو غير ذلك ، ويلحق بالقتل اسقاط الجنين قبل ولوج الروح فيه حتى العلقة والمضغة فانه محرّم ايضاً.
٦ ـ غيبة المؤمن ، وهي أن يُذكر بعيب في غيبته مما يكون مستوراً عن الناس سواء أكان بقصد الانتقاص منه أم لا.
٧ ـ سبّ المؤمن ولعنه واهانته واذلاله وهجاؤه واخافته واذاعة سره وتتبع عثراته والاستخفاف به ولا سيما إذا كان فقيراً.
٨ ـ البهتان على المؤمن وهو ذكره بما يعيبه وليس هو فيه.
٩ ـ النميمة بين المؤمنين بما يوجب الفرقة بينهم.
١٠ ـ هجر المسلم ازيد من ثلاثة ايام على الاحوط لزوماً.
١١ ـ قذف المحصن والمحصنة ، وهو رميهما بارتكاب الفاحشة كالزناء من دون بينة عليه.
١٢ ـ الغش للمسلم في بيع أو شراء أو نحو ذلك من المعاملات ، سواء باخفاء الرديء في الجيد أو غير المرغوب فيه في المرغوب أو باظهار الصفة الجيدة وهي مفقودة أو باظهار الشيء على خلاف جنسه ونحو ذلك.
١٣ ـ الفحش من القول ، وهو الكلام البذيء الذي يستقبح ذكره.
١٤ ـ الغدر والخيانة حتى مع غير المسلمين.
١٥ ـ الحسد مع اظهار اثره بقول أو فعل ، وأمّا من دون ذلك فلايحرم وان كان من الصفات الذميمة ، ولا بأس بالغبطة وهي ان يتمنى الانسان ان يرزق بمثل ما رزق به الاخر من دون ان يتمنى زواله عنه.
١٦ ـ الزنا واللواط والسحق والاستمناء وجميع الاستمتاعات الجنسية مع غير الزوج أو الزوجة حتى النظر واللمس والاستماع بشهوة.
١٧ ـ القيادة وهي السعي بين اثنين لجمعهما على الوطء المحرّم من الزنا واللواط والسحق.
١٨ ـ الدياثة وهي أن يرى زوجته تفجر ويسكت عنها ولا يمنعها منه.
١٩ ـ تشبه الرجل بالمرأة وبالعكس على الاحوط لزوماً والمقصود به صيرورة احدهما بهيئة الاخر وتزييه بزيّة.
٢٠ ـ لبس الحرير الطبيعي للرجال وكذلك لبس الذهب لهم ، بل الاحوط لزوماً ترك تزين الرجل بالذهب ولو من دون لبس.
٢١ ـ القول بغير علم أو حجة.
٢٢ ـ الكذب حتى ما لا يتضرر به الغير ، ومن اشدّه حرمة شهادة الزور ، واليمين الغموس والفتوى بغير ما انزل الله تعالى.
٢٣ ـ خلف الوعد على الاحوط لزوماً ، ويحرم الوعد مع البناء من حينه على عدم الوفاء به حتى مع الأهل على الأحوط لزوماً.
٢٤ ـ أكل الربا بنوعيه المعاملي والقرضي ، وكما يحرم اكله يحرم أخذه لآكله ويحرم اعطاؤه واجراء المعاملة المشتملة عليه ويحرم تسجيل تلك المعاملة والشهادة عليها.
٢٥ ـ شرب الخمر وسائر انواع المسكرات والمائعات المحرمة الاخرى كالفقاع (البيرة) والعصير العنبي المغلي قبل ذهاب ثلثيه وغير ذلك.
٢٦ ـ اكل لحم الخنزير وسائر الحيوانات المحرمة اللحم وما اُزهق روحه على وجه غير شرعي.
٢٧ ـ الكبر والاختيال وهو ان يظهر الانسان نفسه اكبر وارفع من الاخرين من دون مزية تستوجبه.
٢٨ ـ قطعية الرحم وهو ترك الاحسان اليه بايّ وجه في مقام يتعارف فيه ذلك.
٢٩ ـ عقوق الوالدين وهو الاساءة اليهما بايّ وجه يعدّ تنكّراً لجميلهما على الولد ، كما يحرم مخالفتهما فيما يوجب تأذيهما الناشىء من شفقتهما عليه.
٣٠ ـ الاسراف والتبذير ، والأول هو صرف المال زيادة على ما ينبغي والثاني هو صرفه فيما لا ينبغي.
٣١ ـ البخس في الميزان والمكيال ونحوهما بان لا يوفي تمام الحق فيما إذا كال أو وزن أو عدّ أو ذرع ونحو ذلك.
٣٢ ـ التصرف في مال المسلم ومن بحكمه من دون طيب نفسه ورضاه.
٣٣ ـ الاضرار بالمسلم ومن بحكمه في نفسه أو ماله أو عرضه.
٣٤ ـ السحر ، فعله وتعليمه وتعلّمه والتكسب به.
٣٥ ـ الكهانة فعلها والتكسب بها والرجوع إلى الكاهن وتصديقه فيما يقوله.
٣٦ ـ الرشوة على القضاء ، اعطاؤها وأخذها وان كان القضاء بالحق ، وأما الرشوة على استنفاذ الحق من الظالم فلا بأس بدفعها وان حرم على الظالم أخذها.
٣٧ ـ الغناء وفي حكمه قراءة القرآن والادعية والاذكار بالالحان الغنائية وكذا ما سواها من الكلام غير اللهوي على الاحوط لزوماً.
٣٨ ـ استعمال الملاهي ، كالدق على الدفوف والطبول والنفخ في المزامير والضرب على الاوتار على نحو ينبعث منه الموسيقى المناسبة لمجالس اللهو واللعب.
٣٩ ـ القمار سواء أكان باللعب بالالآت المعدة له كالشطرنج والنرد والدوملة أو بغير ذلك ، ويحرم اخذ الرهن ايضاً ، كما يحرم اللعب بالشطرنج والنرد ولو من دون مراهنة وكذلك اللعب بغيرهما من الآت القمار على الاحوط لزوماً.
٤٠ ـ الرياء والسمعة في الطاعات والعبادات.
٤١ ـ قتل الانسان نفسه وكذلك ايراد الضرر البليغ بها كازالة بعض الاعضاء الرئيسية أو تعطيلها كقطع اليد وشل الرجل.
٤٢ ـ اذلال المؤمن نفسه كأن يلبس ما يظهره في شنعه وقباحة عند الناس.
٤٣ ـ كتمان الشهادة ممن أُشهد على أمر ثم طُلب منه اداؤها بل وان شهده من غير إشهاد إذا ميّز المظلوم من الظالم فانه يحرم عليه حجب شهادته في نصرة المظلوم.
وهناك جملة اخرى من المحرمات


تتمة...

Thursday, March 12, 2015

خطبة السيدة الزهراء ع "الفدكية"



روى عبد الله بن الحسن بإسناده عن آبائه(ع): أنه لما أجمع أبو بكر وعمر على منع فاطمة(ع) فدكاً، وبلغها ذلك، لاثت خمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لمّة من حفدتها ونساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله(ص)، حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة، فجلست، ثم أنّت أنّةً أجهش لها القوم بالبكاء، فارتجّ المجلس، ثم أمهلت هنيئة، حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله(ص)، فعاد القوم في بكائهم، فلما أمسكوا عادت في كلامها، فقالت(ع) :

"الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدّم، من عموم نعم ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن أولاها، جمّ عن الإحصاء عددها، ونأى عن الجزاء أمدها، وتفاوت عن الإدراك أبدها، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتّصالها، واستحمد إلى الخلائق بإجزالها، وثنى بالندب إلى أمثالها، وأشهد أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة جعل الإخلاص تأويلها، وضمّن القلوب موصولها، وأنار في التفكر معقولها، الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام كيفيته، ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها، كوّنها بقدرته، وذرأها بمشيّته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها، إلا تثبيتاً لحكمته، وتنبيهاً على طاعته، وإظهاراً لقدرته، وتعبّداً لبريته، وإعزازاً لدعوته، ثم جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، ذيادة لعباده عن نقمته، وحياشة لهم إلى جنته.
وأشهد أنّ أبي محمداً(النبي الأمي)(ص) عبده ورسوله، اختاره وانتجبه قبل أن أرسله، وسمّاه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة، علماً من الله تعالى بمآيل الأمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع الأمور.
ابتعثه الله إتماماً لأمره، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذاً لمقادير حتمه، فرأى الأمم فرقاً في أديانها، عُكّفاً على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها، فأنار الله بأبي محمد(ص) ظُلَمَها، وكشف عن القلوب بهمها، وجلّى عن الأبصار غممها، وقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبصّرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم.
ثم قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار، ورغبة وإيثار، فمحمد(ص) من تَعَب هذه الدار في راحة، قد حُفّ بالملائكة الأبرار، ورضوان الرب الغفّار، ومجاورة الملك الجبّار، صلّى الله على أبي، نبيّه وأمينه على الوحي، وصفيّه في الذكر وخيرته من الخلق ورضيّه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته".
ثم التفتت(ع) إلى أهل المجلس وقالت: "أنتم عباد الله نصُبُ أمره ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وأمناء الله على أنفسكم، وبلغاؤه إلى الأمم، وزعيم حق له فيكم، وعهد قدّمه إليكم، وبقيّة استخلفها عليكم: كتاب الله الناطق والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللامع، بيّنة بصائره، منكشفة سرائره، منجلية ظواهره، مغتبطة به أشياعه، قائداً إلى الرضوان أتباعه، مؤدٍّ إلى النجاة استماعه، به تنال حجج الله المنوّرة، وعزائمه المفسّرة، ومحارمه المحذّرة، وبيّناته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، ورخصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة.
فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس ونماءً في الرزق، والصيام تثبيتاً للإخلاص، والحج تشييداً للدين، والعدل تنسيقاً للقلوب، وطاعتنا نظاماً للملّة، وإمامتنا أماناً من الفرقة، والجهاد عزّاً للإسلام (وذلاً لأهل الكفر والنفاق)، والصبر معونة على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة، وبرّ الوالدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منسأة في العمر ومنماة للعدد، والقصاص حقناً للدماء، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازين تغييراً للبخس، والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس، واجتناب القذف حجاباً عن اللعنة، وترك السرقة إيجاباً للعفّة، وحرّم الله الشرك إخلاصاً له بالربوبية، فاتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، وأطيعوا الله في ما أمركم به وما نهاكم عنه، فإنه إنما يخشى الله من عباده العلماءُ".
ثم قالت: "أيها الناس، اعلموا أنّي فاطمة وأبي محمد(ص)، أقول عوداً وبدواً، ولا أقول ما أقول غلطاً، ولا أفعل ما أفعل شططاً، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم، فإن تُعزوه وتعرفوه، تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمّي دون رجالكم، ولنعم المعزى إليه(ص)، فبلّغ الرسالة صادعاً بالنذارة، مائلاً عن مدرجة المشركين، ضارباً ثَبَجهم، آخذاً بأكظامهم، داعياً إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة، يكسر الأصنام، وينكث الهام، حتى انهزم الجمع وولّوا الدبر، حتى تفرّى الليل عن صبحه، وأسفر الحقّ عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشياطين، وطاح وشيظ النفاق، وانحلّت عقد الكفر والشقاق، وفِهْتُم بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماص، وكنتم على شفا حفرة من النار، مِذْقَة الشارب ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون القدّ، أذلة خاسئين صاغرين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمدٍ(ص) بعد اللّتيا والتي، وبعد أن مني ببهم الرجال وذئبان العرب ومردة أهل الكتاب، كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله، أو نجم قرن الشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه، ويخمد لهبها بسيفه، مكدوداً في ذات الله، مجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله، سيداً في أولياء الله، مشمّراً ناصحاً، مجدّاً كادحاً، لا تأخذه في الله لومة لائم، وأنتم في رفاهية من العيش، وادعون فاكهون آمنون، تتربصون بنا الدوائر، وتتوكّفون الأخبار، وتنكصون عند النزال، وتفرّون من القتال.
فلما اختار الله لنبيّه دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسكة (حسيكة) النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الأقلّين، وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرّة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً، وأحمشكم فألفاكم غضاباً، فوسمتم غير إبلكم، ووردتم غير مشربكم.
هذا والعهد قريب والكلم رحيب، والجرح لمّا يندمل، والرسول لمّا يُقبر، ابتداراً زعمتم خوف الفتنة، ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين، فهيهات منكم، وكيف بكم، وأنّى تؤفكون وكتاب الله بين أظهركم، أموره ظاهرة، وأحكامه زاهرة، وأعلامه باهرة، وزواجره لايحة، وأوامره واضحة، (و) قد خلّفتموه وراء ظهوركم، أرغبة عنه تريدون؟ أم بغيره تحكمون؟ بئس للظالمين بدلاً، ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين، ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها ويسلس قيادها، ثم أخذتم تورون وقدتها وتهيجون جمرتها، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي، وإطفاء أنوار الدين الجلي، وإهمال سنن النبي الصفي، تشربون حسواً في ارتغاء، وتمشون لأهله وولده في الخمرة والضراء، ونصبر (ويصير) منكم على مثل حزّ المدى ووخز السنان في الحشا، وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا، أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون؟!! أفلا تعلمون؟ بلى، قد تجلّى لكم كالشمس الضاحية أنّي ابنته.
أيّها المسلمون، أأغلب على إرثي؟ يابن أبي قحافة، أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فريّاً على الله ورسوله، أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول: {وورث سليمانُ داودَ}، وقال في ما اقتصّ من خبر يحيى بن زكريا(ع) إذ قال: {فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب}، وقال (أيضاً): {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله}، وقال: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين}، وقال: {إن ترك خيراً الوصيةُ للوالدين والأقربين بالمعروف حقّاً على المتقين}، وزعمتم أن لا حظوة لي ولا إرث من أبي ولا رحم بيننا، أفخصّكم الله بآية (من القرآن) أخرج أبي محمداً(ص) منها؟ أم تقولون : إن أهل ملتين لا يتوارثان؟ أولست أنا وأبي من أهل ملّة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي؟ فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحَكَم الله، والزعيم محمد(ص) والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون، ولا ينفعكم ما قلتم إذ تندمون، ولكل نبأ مستقر، وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحلّ عليه عذاب مقيم".
ثم رمت بطرفها نحو الأنصار فقالت(لهم): "يا معشر النقيبة وأعضاد الملّة وحضنة الإسلام، ما هذه الغميزة في حقي والسِّنةُ عن ظلامتي؟ أما كان رسول الله(ص) أبي يقول: "المرء يحفظ في ولده"؟ سرعان ما أحدثتم، وعجلان ذا إهالة، ولكم طاقة بما أحاول، وقوة على ما أطلب وأزاول، أتقولون مات محمد(ص)؟ فخطبٌ جليل، استوسع وهنه واستنهر فتقه، وانفتق رتقه، وأظلمت الأرض لغيبته، وكسفت الشمس والقمر، وانتثرت النجوم لمصيبته، وأكدت الآمال، وخشعت الجبال، وأضيع الحريم، وأزيلت الحرمة عند مماته، فتلك والله النازلة الكبرى، والمصيبة العظمى، لا مثلها نازلة، ولا بائقة عاجلة، أعلن بها كتاب الله جلّ ثناؤه، في أفنيتكم، في ممساكم ومصبحكم، يهتف في أفنيتكم هتافاً وصراخاً وتلاوة وألحاناً، ولقبله ما حلّ بأنبياء الله ورسله، حكم فصل وقضاء حتم: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين}.
إيهاً بني قيلة، أأهضم تراث أبي، وأنتم بمرأى مني ومسمع، ومنتدى ومجمع؟ تلبسكم الدعوة، وتشملكم الخبرة، وأنتم ذوو العدد والعدّة، والأداة والقوة، وعندكم السلاح والجُنّة، توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون، وأنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاح، والنخبة التي انتخبت، والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت.
قاتلتم العرب، وتحمّلتم الكدّ والتعب، وناطحتم الأمم، وكافحتم البهم، لا نبرح أو تبرحون، نأمركم فتأتمرون، حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام، ودرّ حلب الأيام، وخضعت ثغرة الشرك، وسكنت فورة الإفك، وخمدت نيران الكفر، وهدأت دعوة الهرج والمرج، واستوسق نظام الدين، فأنّى حزتم بعد البيان؟ وأسررتم بعد الإعلان؟ ونكصتم بعد الإقدام؟ وأشركتم بعد الإيمان؟ بؤساً لقوم نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم، وهمّوا بإخراج الرسول، وهم بدأوكم أول مرة، أتخشونهم فالله أحقّ أن تخشوه إن كنتم مؤمنين.
ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض، وخلوتم بالدعة ونجوتم بالضيق من السعة، فمججتم ما وعيتم، ودسعتم الذي تسوغتم، فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإنّ الله لغني حميد.
ألا وقد قلت ما قلت هذا على معرفة منّي بالخذلة (بالجذلة) التي خامرتكم، والغدرة التي استشعرتها قلوبكم، ولكنّها فيضة النفس ونفثة الغيظ، وخور القناة، وبثّة الصدر، وتقدمة الحجة، فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر، نقبة الخف باقية العار، موسومة بغضب الجبار وشنار الأبد، موصولة بنار الله الموقدة التي تطلّع على الأفئدة، فبعين الله ما تفعلون، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون، وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فاعملوا إنا عاملون، وانتظروا إنّا منتظرون".


فأجابها أبو بكر، وقال :

يا بنت رسول الله ! لقد كان أبوك(ص) بالمؤمنين عطوفاً كريماً، (و) رؤوفاً رحيماً، وعلى الكافرين عذاباً أليماً، وعقاباً عظيماً، إن عزوناه وجدناه أباك دون النساء، وأخا إلفك دون الأخلاّء، آثره على كل حميم وساعده في كل أمر جسيم، لا يحبّكم إلا سعيد، ولا يبغضكم إلا شقي بعيد، فأنتم عترة رسول الله(ص) الطيبون، والخِيَرةُ المنتجبون، على الخير أدلّتنا، وإلى الجنة مسالكنا، وأنت يا خيرة النساء، وابنة خير الأنبياء، صادقة في قولك، سابقة في وفور عقلك، غير مردودة عن حقك، ولا مصدودة عن صدقك، والله ما عدوت رأي رسول الله ولا عملت إلا بإذنه، والرائد لا يكذب أهله، وإنّي أشهد الله وكفى به شهيداً، أنّي سمعت رسول الله(ص) يقول نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ذهباً ولا فضة، ولا داراً ولا عقاراً، وإنّما نورّث الكتاب والحكمة والعلم والنبوّة، وما كان لنا من طعمة فلوليّ الأمر بعدنا يحكم فيه بحكمه، وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسلاح، يقاتل بها المسلمون ويجاهدون الكفار، ويجادلون المردة الفجّار، وذلك بإجماع من المسلمين، لم أنفرد به وحدي، ولم أستبدّ بما كان الرأي عندي، وهذه حالي ومالي، هي لك (و) بين يديك، لا تُزوى عنك، ولا ندّخر دونك، وأنت سيدة أمّة أبيك، والشجرة الطيبة لبنيك، لا ندفع مالك من فضلك، ولا يوضع من فرعك وأصلك، حكمك نافذ في ما ملكت يداي، فهل ترين أن أخالف في ذلك أباك(ص) ؟!


فقالت(ع):

"سبحان الله، ما كان أبي رسول الله(ص) عن كتاب الله صادفاً ولا لأحكامه مخالفاً ! بل كان يتّبع أثره، ويقفو سوره، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالاً عليه بالزور، وهذا بعد وفاته شبيه بما بُغي له من الغوائل في حياته، هذا كتاب الله حكماً عدلاً، وناطقاً فصلاً يقول:{يرثني ويرث من آل يعقوب}، ويقول: {وورث سليمان داود}، فبيّن الله عز وجل في ما وزع من الأقساط، وشرع من الفرائض والميراث، وأباح من حظ الذكران والإناث، ما أزاح به علّة المبطلين، وأزال التظنّي والشبهات في الغابرين، كلاّ، بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً فصبرٌ جميل والله المستعان على ما تصفون".


فقال أبو بكر:

"صدق الله ورسوله، وصدقت ابنته، أنت معدن الحكمة وموطن الهدى والرحمة، وركن الدين، وعين الحجة، ولا أبعد صوابك، ولا أنكر خطابك، هؤلاء المسلمون بيني وبينك، قلّدوني ما تقلّدت، وباتّفاق منهم أخذت ما أخذت، غير مكابر ولا مستبدّ ولا مستأثر، وهم بذلك شهود".


فالتفتت فاطمة(ع) إلى الناس وقالت:

"معاشر المسلمين المسرعة إلى قيل الباطل، المغضية على الفعل القبيح الخاسر، أفلا تتدبّرون القرآن أم على قلوبهم أقفالها؟
كلاّ، بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم، فأخذ بسمعكم وأبصاركم، ولبئس ما تأوّلتم، وساء ما به أشرتم، وشرّ ما منه اغتصبتم! لتجدنّ والله محمله ثقيلاً، وغبّه وبيلاً، إذا كشف لكم الغطاء، وبان ما وراءه (من البأساء) والضراء، وبدا لكم من ربّكم ما لم تكونوا تحتسبون، وخسر هنالك المبطلون".


ثم عطفت على قبر النبي(ص) وقالت:

قد كان بعدك أنباء وهنبثـة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها واختل قومك فاشهدهم ولا تغب
وكلّ أهـل لـه قربى ومنزلة عند الإلـه على الأدنين مقترب
أبدت رجال لنا نجوى صدورهم لما أمضيت وحالت دونك الترب
تجهّمتنا رجال واستخـفّ بنـا لما فقـدت وكل الإرث مغتصب
وكنت بدراً ونوراً يستضاء بـه عليك ينزل من ذي العزة الكتب
وكان جبريل بالآيات يونسنـا فقد فقـدت وكل الخير محتجب
فليت قبلك كان الموت صادفنا لما مضيت وحالت دونك الكثب
إناّ رزينا بما يُرزى ذوو شجـن من البريـة لا عجـم ولا عرب

 


تتمة...