Tuesday, November 27, 2012

بآل محمد عرف الصواب

بآل محمد عرف الصواب * وفي أبياتهم نزل الكتاب
هم الكلمات والأسماء لاحت * لآدم حين عز له المتاب
وهم حجج الإله على البرايا * بهم وبحكمهم لا يستراب
بقية ذي العلى وفروع أصل * بحسن بيانهم وضح الخطاب
وأنوار ترى في كل عصر * لإرشاد الورى فهم شهاب
ذراري أحمد وبنو علي * خليفته فهم لب لباب
تناهوا في نهاية كل مجد * فطهر خلقهم وزكوا وطابوا
إذا ما أعوز الطلاب علم * ولم يوجد فعندهم يصاب
محبتهم صراط مستقيم * ولكن في مسالكه عقاب
ولا سيما أبو حسن علي * له في الحرب مرتبة تهاب
كأن سنان ذابله ضمير * فليس عن القلوب له ذهاب
وصارمه كبيعته بخم * معاقدها من القوم الرقاب
علي الدر والذهب المصفى * وباقي الناس كلهم تراب
إذا لم تبر من أعدا علي * فما لك في محبته ثواب
إذا نادت صوارمه نفوسا * فليس لها سوا نعم جواب
فبين سنانه والدرع سلم * وبين البيض والبيض اصطحاب
هو البكاء في المحراب ليلا * هو الضحاك إن جد الضراب
ومن في خفه طرح الأعادي * حبابا كي يلسبه الحباب
فحين أراد لبس الخف وافى * يمانعه عن الخف الغراب
وطار له فاكفأه وفيه * حباب في الصعيد له انسياب
ومن ناجاه ثعبان عظيم * بباب الطهر ألقته السحاب
رآه الناس فانجفلوا برعب * وأغلقت المسالك والرحاب
فلما أن دنا منه علي * تدانى الناس واستولى العجاب
فكلمه علي مستطيلا * وأقبل لا يخاف ولا يهاب
ومن لم يبر من أعدا على * فليس له النجاة ولا ثواب
ودن لحاجر وانساب فيه * وقال وقد تغيبه التراب
 أنا ملك مسخت وأنت مولى * دعاؤك إن مننت به يجاب
أتيتك تائبا فاشفع إلى من * إليه في مهاجرتي الإياب
فأقبل داعيا وأتى أخوه * يؤمن والعيون لها انسكاب
فلما أن أجيبا ظل يعلو * كما يعلو لدي الجد العقاب
وأنبت ريش طاووس عليه * جواهر زانها التبر المذاب
يقول: لقد نجوت بأهل بيت * بهم يصلى لظى وبهم يثاب
هم النبأ العظيم وفلك نوح * وباب الله وانقطع الخطاب

تتمة...

Wednesday, November 21, 2012

فداء لمثواك / الجواهري

فِدَاءً لمثواكَ من مَضْــجَعِ تَنَـوَّرَ بالأبلَـجِ الأروَعِ

بأعبقَ من نَفحاتِ الجِنـانِ رُوْحَاً ومن مِسْكِها أَضْـوَعِ

وَرَعْيَاً ليومِكَ يومِ "الطُّفوف" وسَقْيَاً لأرضِكَ مِن مَصْـرَعِ

وحُزْناً عليكَ بِحَبْسِ النفوس على نَهْجِكَ النَّيِّـرِ المَهْيَـعِ

وصَوْنَاً لمجدِكَ مِنْ أَنْ يُذَال بما أنتَ تأبـاهُ مِنْ مُبْـدَعِ

فيا أيُّها الوِتْرُ في الخالدِينَ فَـذَّاً ، إلى الآنَ لم يُشْفَـعِ

ويا عِظَةَ الطامحينَ العِظامِ للاهينَ عن غَـدِهِمْ قُنَّـعِ

تعاليتَ من مُفْزِعٍ للحُتوفِ وبُـورِكَ قبـرُكَ من مَفْـزَعِ

تلوذُ الدُّهورُ فَمِنْ سُجَّدٍ على جانبيـه ومـن رُكَّـعِ

شَمَمْتُ ثَرَاكَ فَهَبَّ النَّسِيمُ نَسِيـمُ الكَرَامَـةِ مِنْ بَلْقَـعِ

وعَفَّرْتُ خَدِّي بحيثُ استراحَ خَـدٌّ تَفَرَّى ولم يَضْـرَعِ

وحيثُ سنابِكُ خيلِ الطُّغَاةِ جالتْ عليـهِ ولم يَخْشَـعِ

وَخِلْتُ وقد طارتِ الذكرياتُ بِروحي إلى عَالَـمٍ أرْفَـعِ

وطُفْتُ بقبرِكَ طَوْفَ الخَيَالِ بصومعـةِ المُلْهَـمِ المُبْـدِعِ

كأنَّ يَدَاً مِنْ وَرَاءِ الضَّرِيحِ حمراءَ " مَبْتُـورَةَ الإصْبَـعِ"

تَمُدُّ إلى عَالَـمٍ بالخُنُـوعِ وَالضَّيْـمِ ذي شَرَقٍ مُتْـرَعِ

تَخَبَّطَ في غابـةٍ أطْبَقَـتْ على مُذْئِبٍ منـه أو مُسْبِـعِ

لِتُبْدِلَ منهُ جَدِيـبَ الضَّمِيرِ بآخَـرَ مُعْشَوْشِـبٍ مُمْـرِعِ

وتدفعَ هذي النفوسَ الصغارَ خوفـاً إلى حَـرَمٍ أَمْنَـعِ


تعاليتَ من صاعِقٍ يلتظي فَإنْ تَـدْجُ داجِيَـةٌ يَلْمَـعِ

تأرّمُ حِقداً على الصاعقاتِ لم تُنْءِ ضَيْـراً ولم تَنْفَـعِ

ولم تَبْذُرِ الحَبَّ إثرَ الهشيمِ وقـد حَرَّقَتْـهُ ولم تَـزْرَعِ

ولم تُخْلِ أبراجَها في السماء ولم تأتِ أرضـاً ولم تُدْقِـعِ

ولم تَقْطَعِ الشَّرَّ من جِذْمِـهِ وغِـلَّ الضمائـرِ لم تَنْـزعِ

ولم تَصْدِمِ الناسَ فيما هُـمُ عليهِ مِنَ الخُلُـقِ الأوْضَـعِ

تعاليتَ من "فَلَـكٍ" قُطْـرُهُ يَدُورُ على المِحْـوَرِ الأوْسَـعِ

فيابنَ البتـولِ وحَسْبِي بِهَا ضَمَاناً على كُلِّ ما أَدَّعِـي

ويابنَ التي لم يَضَعْ مِثْلُها كمِثْلِكِ حَمْـلاً ولم تُرْضِـعِ

ويابنَ البَطِيـنِ بلا بِطْنَـةٍ ويابنَ الفتى الحاسـرِ الأنْـزَعِ

ويا غُصْنَ "هاشِـمَ" لم يَنْفَتِحْ بأزْهَـرَ منـكَ ولم يُفْـرِعِ

ويا واصِلاً من نشيدِ الخُلود خِتَـامَ القصيـدةِ بالمَطْلَـعِ

يَسِيرُ الوَرَى بركابِ الزمانِ مِنْ مُسْتَقِيـمٍ ومن أظْلَـعِ

وأنتَ تُسَيِّرُ رَكْبَ الخلـودِ مـا تَسْتَجِـدُّ لـهُ يَتْبَـعِ


تَمَثَّلْتُ يومَكَ في خاطـرِي ورَدَّدْتُ صوتَكَ في مَسْمَعِـي

وَمَحَّصْتُ أمْرَكَ لم أرْتَهِـبْ بِنَقْلِ " الرُّوَاةِ " ولم أُُخْـدَعِ

وقُلْتُ: لعـلَّ دَوِيَّ السنين بأصـداءِ حادثِـكَ المُفْجِـعِ

وَمَا رَتَّلَ المُخْلِصُونَ الدُّعَاةُ من " مُرْسِلِينَ " ومنْ "سُجَّـعِ"

ومِنْ "ناثراتٍ" عليكَ المساءَ والصُّبْحَ بالشَّعْـرِ والأدْمُـعِ

لعلَّ السياسةَ فيما جَنَـتْ على لاصِـقٍ بِكَ أو مُدَّعِـي

وتشريدَهَا كُلَّ مَنْ يَدَّلِي بِحَبْلٍ لأهْلِيـكَ أو مَقْطَـعِ

لعلَّ لِذاكَ و"كَوْنِ" الشَّجِيّ وَلُوعَاً بكُـلِّ شَـجٍ مُوْلـعِ

يداً في اصطباغِ حديثِ الحُسَيْن بلونٍ أُُرِيـدَ لَـهُ مُمْتِـعِ

وكانتْ وَلَمّا تَزَلْ بَـــرْزَةً يدُ الواثِـقِ المُلْجَأ الألمعـي

صَناعَاً متى ما تُرِدْ خُطَّةً وكيفَ ومهما تُـرِدْ تَصْنَـعِ

ولما أَزَحْتُ طِلاءَ القُرُونِ وسِتْرَ الخِدَاعِ عَنِ المخْـدَعِ

أريدُ "الحقيقةَ" في ذاتِهَـا بغيرِ الطبيعـةِ لم تُطْبَـعِ

وجَدْتُكَ في صورةٍ لـم أُرَعْ بِأَعْظَـمَ منهـا ولا أرْوَعِ

وماذا! أأرْوَعُ مِنْ أنْ يَكُون لَحْمُكَ وَقْفَاً على المِبْضَـعِ

وأنْ تَتَّقِي - دونَ ما تَرْتَئـِي- ضميرَكَ بالأُسَّـلِ الشُّـرَّعِ

وأن تُطْعِمَ الموتَ خيرَ البنينَ مِنَ "الأَكْهَلِيـنَ" إلى الرُّضَّـعِ

وخيرَ بني "الأمِّ" مِن هاشِمٍ وخيرَ بني " الأب " مِنْ تُبَّـعِ

وخيرَ الصِّحابِ بخيرِ الصُّدُورِ كَانُـوا وِقَـاءَكُ ، والأذْرَعِ

وقَدَّسْتُ ذِكراكَ لم انتحِـلْ ثِيَـابَ التُّقَـاةِ ولم أَدَّعِ

تَقَحَّمْتَ صَدْرِي ورَيْبُ الشُّكُوكِ يِضِـجُّ بِجُدْرَانِـهِ الأَرْبَـعِ

وَرَانَ سَحَابٌ صَفِيقُ الحِجَاب عَلَيَّ مِنَ القَلَـقِ المُفْـزِعِ

وَهَبَّتْ رِياحٌ من الطَّيِّبَـاتِ و" الطَّيِّبِيـنَ " ولم يُقْشَـعِ

إذا ما تَزَحْزَحَ عَنْ مَوْضِعٍ تَأَبَّى وعـادَ إلى مَوْضِـعِ

وجَازَ بِيَ الشَّـكُّ فيما مَعَ " الجدودِ " إلى الشَّكِّ فيما معي

إلى أن أَقَمْتُ عَلَيْهِ الدَّلِيـلَ مِنْ " مبدأٍ " بِدَمٍ مُشْبَـعِ

فأسْلَمَ طَوْعَا ً إليكَ القِيَـادَ وَأَعْطَاكَ إذْعَانَـةَ المُهْطِـعِ

فَنَوَّرْتَ ما اظْلَمَّ مِنْ فِكْرَتِي وقَوَّمْتَ ما اعْوَجَّ من أضْلُعِـي

وآمَنْتُ إيمانَ مَنْ لا يَـرَى سِوَى العَقْل في الشَّكِّ مِنْ مَرْجَعِ

بأنَّ (الإباءَ) ووحيَ السَّمَاءِ وفَيْضَ النُّبُوَّةِ ، مِـنْ مَنْبَـعِ

تَجَمَّعُ في (جوهرٍ) خالِصٍ تَنَزَّهَ عن ( عَرَضِ ) المَطْمَـعِ

تتمة...

بكيت لرسم الدار/ دعبل الخزاعي


بكيت لرسم الدار من عرفات * وأذريت دمع العين بالعبرات
وبان عرى صبري وهاجت صبابتي * رسوم ديار قد عفت وعرات
مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات
لآل رسول الله بالخيف من منى * وبالبيت والتعريف والجمرات
ديار لعبد الله بالخيف من منى * وللسيد الداعي إلى الصلوات
ديار علي والحسين وجعفر * وحمزة والسجاد ذي الثفنات
ديار لعبد الله والفضل صنوه * نجي رسول الله في الخلوات


وسبطي رسول الله وابني وصيه * ووارث علم الله والحسنات
منازل وحي الله ينزل بينها * على أحمد المذكور في الصلوات
منازل قوم يهتدى بهداهم * فيؤمن منهم زلة العثرات
منازل كانت للصلاة وللتقى * وللصوم والتطهير والحسنات
منازل لا تيم يحل بربعها * ولا ابن صهاك فاتك الحرمات

ديار عفاها جور كل منابذ * ولم تعف للأيام والسنوات
قفا نسأل الدار التي خف أهلها * متى عهدها بالصوم والصلوات
وأين الأولى شطت بهم غربة النوى * أفانين في الأقطار مفترقات
هم أهل ميراث النبي إذا اعتزوا * وهم خير سادات وخير حماة
إذا لم نناج الله في صلواتنا * بأسمائهم لم يقبل الصلوات

مطاعيم للاعسار في كل مشهد * لقد شرفوا بالفضل والبركات
وما الناس إلا غاصب ومكذب * ومضطغن ذو إحنة وترات
إذا ذكروا قتلى ببدر وخيبر * ويوم حنين أسبلوا العبرات
فكيف يحبون النبي ورهطه * وهم تركوا أحشاءهم وغرات
لقد لاينوه في المقال وأضمروا * قلوبا على الأحقاد منطويات
فإن لم يكن إلا بقربي محمد * فهاشم أولى من هن وهنات
سقى الله قبرا بالمدينة غيثه * فقد حل فيه الامن بالبركات
نبي الهدى صلى عليه مليكه * وبلغ عنا روحه التحفات
وصلى عليه الله ما ذر شارق * ولاحت نجوم الليل مبتدرات



أفاطم لو خلت الحسين مجدلا * وقد مات عطشانا بشط فرات
إذا للطمت الخد فاطم عنده * وأجريت دمع العين في الوجنات
أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي * نجوم سماوات بأرض فلات
قبور بكوفان وأخرى بطيبة * وأخرى بفخ نالها صلواتي
وأخرى بأرض الجوزجان محلها * وقبر بباخمرى لدى الغربات
وقبر ببغداد لنفس زكية * تضمنها الرحمن في الغرفات
وقبر بطوس يا لها من مصيبة * ألحت على الأحشاء بالزفرات
إلى الحشر حتى يبعث الله قائما * يفرج عنا الغم والكربات
علي بن موسى أرشد الله أمره * وصلى عليه أفضل الصلوات

فأما الممضات التي لست بالغا * مبالغها منى بكنه صفات
قبور ببطن النهر من جنب كربلا * معرسهم منها بشط فرات
توفوا عطاشا بالفرات فليتني * توفيت فيهم قبل حين وفاتي
إلى الله أشكو لوعة عند ذكرهم * سقتني بكأس الثكل والفظعات
أخاف بأن ازدارهم فتشوقني * مصارعهم بالجزع فالنخلات
تغشاهم ريب المنون فما ترى * لهم عقرة مغشية الحجرات
خلا أن منهم بالمدينة عصبة * مدينين أنضاء من اللزبات
قليلة زوار سوى أن زورا * من الضبع والعقبان والرخمات

لهم كل يوم تربة بمضاجع * ثوت في نواحي الأرض مفترقات
تنكبت لأواء السنين جوارهم * ولا تصطليهم جمرة الجمرات
وقد كان منهم بالحجاز وأرضها * مغاوير نجارون في الأزمات
حمى لم تزره المذنبات وأوجه * تضئ لدى الأستار والظلمات
إذا وردوا خيلا بسمر من القنا * مساعير حرب أقحموا الغمرات
فان فخروا يوما أتوا بمحمد * وجبريل والفرقان والسورات
وعدوا عليا ذا المناقب والعلى * وفاطمة الزهراء خير بنات
وحمزة والعباس ذا الهدي والتقى * وجعفرا الطيار في الحجبات

أولئك لا ملقوح هند وحزبها * سمية من نوكى ومن قذرات
ستسأل تيم عنهم وعديها * وبيعتهم من أفجر الفجرات
هم منعوا الآباء عن أخذ حقهم * وهم تركوا الأبناء رهن شتات
وهم عدلوها عن وصي محمد * فبيعتهم جاءت عن الغدرات
وليهم صنو النبي محمد * أبو الحسن الفراج للغمرات
ملامك في آل النبي فإنهم * أحباي ما داموا وأهل ثقاتي
تخيرتهم رشدا لنفسي إنهم * على كل حال خيرة الخيرات

نبذت إليهم بالمودة صادقا * وسلمت نفسي طائعا لولاتي
فيا رب زدني في هواي بصيرة * وزد حبهم يا رب في حسناتي
سأبكيهم ما حج لله راكب * وما ناح قمري على الشجرات
وإني لمولاهم وقال عدوهم * وإني لمحزون بطول حياتي
بنفسي أنتم من كهول وفتية * لفك عتاة أو لحمل ديات
وللخيل لما قيد الموت خطوها * فأطلقتم منهن بالذربات
أحب قصي الرحم من أجل حبكم * وأهجر فيكم زوجتي وبناتي
وأكتم حبيكم مخافة كاشح * عنيد لأهل الحق غير موات

فيا عين بكيهم وجودي بعبرة * فقد آن للتسكاب والهملات
لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها * وإني لأرجو الامن بعد وفاتي
ألم تر أني مذ ثلاثون حجة * أروح وأغدو دائم الحسرات
أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات
وكيف أداوي من جوى بي والجوى * أمية أهل الكفر واللعنات
وآل زياد في الحرير مصونة * وآل رسول الله منهتكات
سأبكيهم ما ذر في الأفق شارق * ونادى مناد الخير بالصلوات
وما طلعت شمس وحان غروبها * وبالليل أبكيهم وبالغدوات

ديار رسول الله أصبحن بلقعا * وآل زياد تسكن الحجرات
وآل رسول الله تدمى نحورهم * وآل زياد ربة الحجلات
وآل رسول الله يسبى حريمهم * وآل زياد آمنوا السربات
إذا وتروا مدوا إلى واتريهم * أكفا عن الأوتار منقبضات
فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد * تقطع نفسي إثرهم حسرات
خروج إمام لا محالة خارج * يقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كل حق وباطل * ويجزي على النعماء والنقمات
فيا نفس طيبي ثم يا نفس فأبشري * فغير بعيد كل ما هو آت
ولا تجزعي من مدة الجور إنني * أرى قوتي قد آذنت بثبات

فيا رب عجل ما أؤمل فيهم * لأشفي نفسي من أسى المحنات
فان قرب الرحمان من تلك مدتي * وأخر من عمري ووقت وفاتي
شفيت ولم أترك لنفسي غصة * ورويت منهم منصلي وقناتي
فاني من الرحمن أرجو بحبهم * حياة لدى الفردوس غير تباتي
عسى الله أن يرتاح للخلق إنه * إلى كل قوم دائم اللحظات
فان قلت عرفا أنكروه بمنكر * وغطوا على التحقيق بالشبهات
تقاصر نفسي دائما عن جدالهم * كفاني ما ألقى من العبرات
أحاول نقل الصم عن مستقرها * وإسماع أحجار من الصلدات
فحسبي منهم أن أبوء بغصة * تردد في صدري وفي لهواتي
فمن عارف لم ينتفع ومعاند * تميل به الأهواء للشهوات
كأنك بالأضلاع قد ضاق ذرعها * لما حملت من شدة الزفرات

تتمة...

Wednesday, November 14, 2012

أنوار لن تطفأ

أورد الشّيخ الطوسي رحمه الله في مصباح الأنوار، عن أنس بن مالك قال:
صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض الأيام صلاة الفجر، ثمّ أقبل علينا بوجهه الكريم، فقلت له: يا رسول الله، إن رأيت أن تفسر لنا قول الله عزّوجلّ : {فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَآءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً}. فقال صلى الله عليه وآله: أمّا النبيّون فأنا، وأمّا الصدّيقون فأخي عليّ عليه السلام وأمّا الشهداء فعمّي حمزة، وأمّا الصالحون فابنتي فاطمة وأولادها الحسن والحسين.
قال: وكان العبّاس حاضراً، فوثب فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: ألسنا أنا وأنت وعليّ وفاطمة والحسن والحسين من نبعة واحدة؟!
قال: وكيف ذلك يا عمّ؟
قال العبّاس: لأنّك تعرّف بعليّ وفاطمة والحسن والحسين دوننا.
فتبسّم النبيّ صلى الله عليه وآله وقال: أمّا قولك يا عمّ، ألسنا من نبعة واحدة فصدقت، ولكن يا عمّ، إنّ الله تعالى خلقني وعليّاً وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق الله تعالى آدم، حيث لاسماء مبنية، ولا أرض مدحية، ولا ظلمة ولا نور، ولا جنّة ولا نار، ولا شمس ولا قمر.
قال العبّاس: وكيف كان بدؤ خلقكم يا رسول الله؟
فقال: يا عمّ، لمّا أراد الله تعالى أن يخلقنا تكلّم بكلمة خلق منها نوراً، ثمّ تكلّم بكلمة فخلق منها روحاً، فمزج النور بالروح فخلقني وأخي عليّاً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فكنا نسبّحه حين لا تسبيح، ونقدّسه حين لا تقديس. فلمّا أراد الله تعالى أن ينشيء الصنعة فتق نوري فخلق منه العرش، فنور العرش من نوري، ونوري خير من نور العرش.
ثمّ فتق نور أخي عليّ بن أبي طالب عليهم السلام فخلق منه نور الملائكة، فنور عليّ أفضل من الملائكة.
ثمّ فتق نور ابنتي فاطمة، فخلق منه نور السماوات والأرض، فنور ابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض.
ثمّ فتق نور ولدي الحسن، فخلق منه الشمس والقمر، فنور ولدي الحسن أفضل من الشمس والقمر.
ثمّ فتق نور ولدي الحسين، فخلق منه الجنّة والحور العين، فنور ولدي الحسين أفضل من الجنّة والحور العين.
ثمّ أمر الله الظلمات أن تمرّ على السماوات، فأظلمت على الملائكة، فضجّت الملائكة بالتسبيح والتقديس، وقالت: إلهنا وسيّدنا! منذ خلقتنا وعرّفتنا هذه الأشباح لم نر بؤساً، فبحقّ هذه الأشباح إلاّ كشفت عنّا هذه الظلمة، فأخرج الله من نور ابنتي فاطمة قناديل معلّقة في بطنان العرش، فأزهرت السماوات والأرض، ثمّ أشرقت بنورها فلأجل ذلك سمّيت الزهراء.
فقالت الملائكة: إلهنا وسيّدنا! لمن هذا النور الزاهر، الذي قد أزهرت منه السماوات والأرض؟ فأوحى الله إليهم: هذا نور اخترعته من نور جلالي لأمتي فاطمة، ابنة حبيبي، وزوجة وليّي، وأخي نبيّي، وأبي حججي على عبادي، اُشهدكم ملائكتي أنّي قد جعلت ثواب تسبيحكم لهذه المرأة وشيعتها، ثمّ لمحبّيها إلى يوم القيامة.
فلمّا سمع العباّس من رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك، وثب قائماً وقبّل بين عينيّ عليّ عليه السلام وقال: والله، يا عليّ، أنت الحجّة البالغة لمن آمن بالله تعالى واليوم الآخر.

تتمة...

Friday, May 25, 2012

من زعم انه كالنبات ماله زارع



 عن مولانا أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه:

 ولو فكّروا في عظيم القدرة، وجسيم النعمة لرجعوا إلى الطريق وخافوا عذاب الحريق،
ولكنَّ القلوب عليلة والأبصار مدخولة (يعني معيوبة)،
أفلا ينظرون إلى صغير ماخلق؟ كيف أحكم خلقه، وأتقن تركيبه، وفلق له السمع والبصر وسوّى له العظم والبشر،
 اُنظروا إلى النملة في صغر جثّتها ولطافة هيئتها لاتكاد تنال بلحظ البصر ولا بمستدرك الفكر،
 كيف دبّت على أرضها، وضنّت على رزقها، تنقل الحبّة إلى جحرها وتعدَّها في مستقرِّها،
تجمع في حرِّها لبردها وفي ورودها لصدورها مكفول برزقها،
 مرزوقة بوفقها، لا يغفلها المنّان ولايحرمها الديّان ولو في الصفا اليابس والحجر الجامس،
لو فكّرت في مجاري أكلها، وفي علوها وسفلها،
وما في الجوف من شراسيف بطنها،
ومافي الرأس من عينها واُذنها،
 لقضيت من خلقها عجباً ولقيت من وصفها تعباً،
فتعالى الّذي أقامها على قوائمها، وبناها على دعائمها،
لم يشركه في فطرتها فاطر، ولم يعنه على خلقها قادر،
 ولو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ما دلّتك الدلالة
 إلاّ على أنَّ فاطر النملة هو فاطر النحلة لدقيق تفصيل كلِّ شيء وغامض اختلاف كلِّ حيّ،
وما الجليل واللطيف والثقيل والخفيف والقويُّ والضعيف في خلقه إلاّ سواء،
كذلك السماء والهواء والريح والماء. فانظر إلى الشمس والقمر والنبات والشجر والماء والحجر،
واختلاف هذا الليل والنهار، وتفجّر هذه البحار، وكثرة هذه الجبال، وطول هذه القلال،
 وتفرُّق هذه اللغات والألسن المختلفات،
 فالويل لمن أنكر المقدِّر، وجحد المدبّر،
 زعموا أنّهم كالنبات مالهم زارع،
 ولا لاختلاف صورهم صانع،
 لم يلجأوا إلى حجّة فيما ادَّعوا،
ولا تحقيق لما وعوا،
وهل يكون بناء من غير بان،
أو جناية من غير جان.

تتمة...

اسماء رجب



رجب الاصمّ والاصب والفرد. وهو شهر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه صلوات من ربه وسلام.
الترجيب التعظيم.

وسمّي رجب الأصمّ، لأنّه كان لم يسمع فيه حركة قتال، ولانداء مستغيث.

وسمي رجب الاصب، لان الرحمة تصب على امتي فيه صبا كما قال رسول الله صلى الله عليه واله،
 ويقال: الاصم، لانه نهي فيه عن قتال المشركين، فتصم الاذان عن سماع قرقعة السلاح وصليل السيوف.
 وهو من الشهور الأربعة الحرم  التي حرم العرب القتال فيها في الجاهلية، وجاء الاسلام ليعظم حرمتها، لأنه دين السلام.

ورجب الفرد: لأن الاشهر الحرم أربعة، رجب، ذي القعدة، ذي الحجة، ومحرم، وهذه الاشهر الثلاثة متلاصقة متتالية غير مفصولة، إلا شهر رجب فإنه وحده فرد.

تتمة...

من اعمال رجب


عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  عليه السلام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من قرأ في رجب وشعبان وشهر رمضان - كل يوم وليلة –

1-         فاتحة الكتاب، وآية الكرسي، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب النّاس، وقل أعوذ برب الفلق، - ثلاث مرات –

2-          ويقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم - ثلاث مرات –

3-          ثم يصلي على النبي وآله ثلاث مرات: يقول: اللهم صلّ على محمد وال محمد وعلى كل نبي.

4-         ثم يقول: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، ثلاث مرات.

5-         ثم يقول: أستغفر الله وأتوب إليه، أربع مائة مرة.

ثم قال النبي صلى الله عليه وآله: والذي نفسي بيده، من قرأ هذه السور، وفعل ذلك كله في الشهور الثلاثة ولياليها لا يفوتها شيء، لو كانت ذنوبه عدد قطر المطر، وورق الشجر، وزبد البحر، غفرها الله له، وأنه ينادي منادٍ يوم الفطر يقول: يا عبدي، أنت وليي حقاً حقاً، ولك عندي بكل حرف قرأته شفاعة في الإخوان والأخوات بكرامتك عليّ.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: والذي بعثني بالحق نبياً، إن من قرأ هذه السور، وفعل ذلك في هذه الشهور الثلاثة ولياليها، ولو في عمره مرة واحدة، أعطاه الله بكل حرف سبعين ألف حسنة، كل حسنة أثقل عند الله من جبال الدنيا، ويقضي الله له سبع مائة حاجة عند نزوعه، وسبع مائة حاجة في القبر وسبع مائة عند خروجه من قبره، ومثل ذلك عند تطاير الصحف، ومثله عند الميزان، ومثله عند الصراط، ويظلّه الله تعالى تحت ظل عرشه، ويحاسبه حساباً يسيراً، ويشيعه سبعون ألف ملك إلى الجنة.

ويقول الله تعالى: خذها في هذه الأشهر، ويذهب به إلى الجنة وقد أعدّ له ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ».

تتمة...

Wednesday, May 23, 2012

من رسائل امير المؤمنين عليه السلام الى معاوية


أما بعد فإن الدنيا دار تجارة ربحها أو خسرها الآخرة فالسعيد

من كانت بضاعته فيها الاعمال الصالحة
 ومن رأى الدنيا بعينها وقدرها بقدرها
وإني لاعظك مع علمي بسابق العلم فيك مما لا مرد له دون نفاذه ولكن الله تعالىأخذ على العلماء
أن يؤدوا الامانة
 وأن ينصحوا الغوي والرشيد
فاتق الله ولا تكن ممن لا يرجو لله وقارا
 ومن حقت عليه كلمة العذاب
 فإن الله بالمرصاد
 وإن دنياك ستدبر عنك وستعود حسرة عليك
 فانتبه من الغي والضلال على كبر سنك وفناء عمرك
 فإن حالك اليوم كحال الثوب المهيل الذي لا يصلح من جانب إلا فسد من آخر
 وقد أرديت جيلا من الناس كثيرا
خدعتهم بغيك وألقيتهم في موج بحرك
تغشاهم الظلمات وتتلاطم بهم الشبهات فجاروا عن وجهتهم ونكصوا على أعقابهم وتولوا على أدبارهم وعولوا على أحسابهم إلا من فاء من أهل البصائر فإنهم فارقوك بعد معرفتك وهربوا إلى الله من موازرتك إذ حملتهم على الصعب وعدلت بهم عن القصد
 فاتق الله يا معاوية في نفسك وجاذب الشيطان قيادك فإن الدنيا منقطعة عنك والآخرة قريب منك والسلام.

تتمة...

Tuesday, May 15, 2012

وصية أمير المؤمنين لولده الحسن عليهما السلام




من وصيّة الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام للحسن بن على عليهما السلام، كتبها إليه بحاضرين منصرفاً من صفين.

من الوالد الفان، المقرّ للزّمان، المدبر العمر، المستسلم للدّهر، الذّامّ للدّنيا، السّاكن مساكن الموتى، والظّاعن عنها غدا، إلى المولود المؤمّل ما لا يدرك، السّالك سبيل من قد هلك، غرض الأسقام، ورهينة الأيّام، ورميّة المصائب، وعبد الدّنيا، وتاجر الغرور، وغريم المنايا، وأسير الموت، وحليف الهموم، وقرين الأحزان، ونصب الآفات، وصريع الشّهوات، وخليفة الأموات.

أمّا بعد، فإنّ فيما تبيّنت من إدبار الدّنيا عنّي، وجموح الدّهر عليّ، وإقبال الآخرة إليّ، ما يزعني عن ذكر من سواي، والإهتمام بما ورائي غير أنّي حيث تفرّد بي دون هموم النّاس همّ نفسي، فصدفني رأيي، وصرفني عن هوائي، وصرّح لى محض أمري، فأفضى بي إلى جدّ لا يكون فيه لعب، وصدق لا يشوبه كذب، ووجدتك بعضي، بل وجدتك كلّي، حتّى كأنّ شيئاً لو أصابك أصابني، وكأنّ الموت لو أتاك أتاني فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي، فكتبت إليك كتابي هذا مستظهراً به إن أنا بقيت لك أو فنيت.

فانّي أوصيك بتقوى اللّه أي بنيّ ولزوم أمره، وعمارة قلبك بذكره، والاعتصام بحبله، وأيّ سبب أوثق من سبب بينك وبين اللّه إن أنت أخذت به ؟ ؟

أحي قلبك بالموعظة، وأمته بالزّهادة، وقوّه باليقين، ونوّره بالحكمة، وذلّله بذكر الموت، وقرّره بالفناء، وبصّره فجائع الدّنيا، وحذّره صولة الدهر، وفحش تقلّب اللّيالى والأيّام، واعرض عليه أخبار الماضين، وذكّره بما أصاب من كان قبلك من الأوّلين، وسر فى ديارهم وآثارهم، فانظر فيما فعلوا، وعمّا انتقلوا، وأين حلّوا ونزلوا، فإنّك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبّة وحلّوا ديار الغربة، وكأنّك عن قليلٍ قد صرت كأحدهم، فأصلح مثواك، ولا تبع آخرتك بدنياك،  دع القول فيما لا تعرف، والخطاب فيما لم تكلّف وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته، فإنّ الكفّ عند حيرة الضّلال خير من ركوب الأهوال، وأمر بالمعروف تكن من أهله، وأنكر المنكر بيدك ولسانك، وباين من فعله بجهدك، وجاهد فى اللّه حقّ جهاده، ولا تأخذك فى اللّه لومة لائم، وخض الغمرات للحقّ حيث كان، وتفقّه فى الدّين، وعوّد نفسك التّصبّر على المكروه، ونعم الخلق التّصبّر، وألجىء نفسك فى الأمور كلّها إلى إلهك فإنّك تلجئها إلى كهف حريز، ومانع عزيز، وأخلص فى المسألة لربّك فإنّ بيده العطاء والحرمان، وأكثر الاستخارة وتفهّم وصيّتي، ولا تذهبنّ عنها صفحا، فإنّ خير القول ما نفع، واعلم أنّه لا خير في علم لا ينفع، ولا ينتفع بعلم لا يحقّ تعلّمه.

أي بنيّ، إنّي لمّا رأيتني قد بلغت سنّاً، ورأيتنى أزداد وهناً، بادرت بوصيّتي إليك، وأوردت خصالاً منها قبل أن يعجل بي أجلي دون أن أفضي إليك بما في نفسي، وأن أنقص في رأيي كما نقصت في جسمي، أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى، أو فتن الدّنيا، فتكون كالصّعب النّفور، وإنّما قلب الحدث كالأرض الخالية: ما ألقى فيها من شيء قبلته، فبادرتُك بالأدب قبل أن يقسو قبلك ويشتغل لبّك، لتستقبل بجدّ رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التّجارب بغيته وتجربته، فتكون قد كفيت مؤونة الطّلب، وعوفيت من علاج التّجربة، فأتاك من ذلك ما قد كنّا نأتيه، واستبان لك ما ربّما أظلم علينا منه.

أي بنيّ، إنّي وإن لم أكن عمّرت عمر من كان قبلي فقد نظرت في أعمالهم، وفكّرت في أخبارهم، وسرت في آثارهم، حتّى عدت كأحدهم، بل كأنّي بما انتهى إليّ من أمورهم قد عمّرت مع أوّلهم إلى آخرهم، فعرفت صفو ذلك من كدره، ونفعه من ضرره، فاستخلصت لك من كلّ أمر نخيله وتوخّيت لك جميله، وصرفت عنك مجهوله، ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشّفيق، وأجمعت عليه من أدبك أن يكون ذلك وأنت مقبل العمر، ومقتبل الدّهر ذو نيّة سليمة ونفس صافية، وأن أبتدئك بتعليم كتاب اللّه وتأويله، وشرائع الاسلام وأحكامه، وحلاله وحرامه، لا أجاوز ذلك بك إلى غيره، ثمّ أشفقت أن يلتبس عليك ما اختلف النّاس فيه من أهوائهم وآرائهم مثل الّذى التبس عليهم، فكان إحكام ذلك على ما كرهت من تنبيهك له أحبّ إليّ من إسلامك إلى أمر لا آمن عليك فيه الهلكة، ورجوت أن يوفّقك اللّه لرشدك، وأن يهديك لقصدك ، فعهدت إليك وصيّتي هذه.

واعلم، يا بنيّ، أنّ أحبّ ما أنت آخذ به إليّ من وصيّتي، تقوى اللّه والإقتصار على ما فرضه اللّه عليك، والأخذ بما مضى عليه الأوّلون من آبائك والصّالحون من أهل بيتك، فإنّهم لم يدعوا أن نظروا لأنفسهم كما أنت ناظر، وفكّروا كما أنت مفكّر، ثمّ ردّهم آخر ذلك إلى الأخذ بما عرفوا والامساك عمّا لم يكلّفوا، فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما علموا فليكن طلبك ذلك بتفهّم وتعلّم، لا بتورّط الشّبهات، وغلوّ الخصومات وابدأ قبل نظرك فى ذلك بالاستعانة بإلهك، والرّغبة إليه فى توفيقك، وترك كلّ شائبة أولجتك فى شبهة، أو أسلمتك إلى ضلالة، فإذا أيقنت أن قد صفا قلبك فخشع، وتّمّ رأيك فاجتمع، وكان همّك فىي ذلك همّاً واحداً، فانظر فيما فسّرت لك، وإن أنت لم يجتمع لك ما تحبّ من نفسك وفراغ نظرك وفكرك، فاعلم أنّك إنّما تخبط العشواء، وتتورّط الظّلماء، وليس طالب الدّين من خبط أو خلط والامساك عن ذلك أمثل. فتفهّم، يا بنيّ، وصيّتي، واعلم أنّ مالك الموت هو مالك الحياة، وأنّ الخالق هو المميت، وأنّ المفني هو المعيد، وأنّ المبتلي هو المعافي، وأنّ الدّنيا لم تكن لتستقرّ إلاّ على ما جعلها اللّه عليه من النّعماء، والابتلاء والجزاء في المعاد، أو ما شاء ممّا لا نعلم. فإن أشكل عليك شىء من ذلك فاحمله على جهالتك به، فإنّك أوّل ما خلقت خلقت جاهلا ثمّ علّمت، وما أكثر ما تجهل من الأمر، ويتحيّر فيه رأيك، ويضلّ فيه بصرك، ثمّ تبصره بعد ذلك، فاعتصم بالّذى خلقك ورزقك وسوّاك، وليكن له تعبّدك، وإليه رغبتك، ومنه شفقتك.

واعلم، يا بنيّ، أنّ أحداً لم ينبئ عن اللّه كما أنبأ عنه الرّسول، صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فارض به رائداً، وإلى النّجاة قائداً، فإنّي لم آلك نصيحة، وإنّك لن تبلغ في النّظر لنفسك وإن اجتهدت مبلغ نظري لك.

واعلم، يا بنيّ، أنّه لو كان لربّك شريك لأتتك رسله، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته، ولكنّه إله واحد كما وصف نفسه، لا يضادّه فى ملكه أحد، ولا يزول أبداً، و لم يزل، أوّل قبل الأشياء بلا أوّليّة، وآخر بعد الأشياء بلا نهاية. عظم عن أن تثبت ربوبيّته بإحاطة قلب أو بصر، فإذا عرفت ذلك فافعل كما ينبغى لمثلك أن يفعله في صغر خطره، وقلّة مقدرته، وكثرة عجزه، وعظيم حاجته إلى ربّه، في طلب طاعته، والرّهبة من عقوبته، والشّفقة من سخطه، فإنّه لم يأمرك إلاّ بحسن، ولم ينهك إلاّ عن قبيح.

تتمة...

Thursday, May 10, 2012

السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام عن لسان عائشة


السيدةُ فاطمةُ الزهراء

عن لسان عائشة

زوجة رسول الله ( صلى الله عليه و آله )

بين يديك أيها الزائر الكريم باقةٌ عطرةٌ تتكون من أربعين نصاً مبوَّ باً مرويّاً عن زوجة رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) السيدة عائشة حول ابنة رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) ، وأُم ذريته ، وزوجة ابن عمّه ، البتولِ المطهرةِ بنصِ القرآنِ الكريمِ ، سيدةِ نساءِ العالمين : فاطمة الزهراء ، ( عليها السلام ) ، وهي نصوصٌ تعكس ماكانت تحظى به من مكانة عند الله ، وعند النبي ( صلى الله عليه و آله ) ، وتحمل ما تحمل من دلالات ، وتستتبع ما تستتبع من وظائف وواجبات على المسلمين تجاهها.
وقد أدرجنا هذه الروايات ضمن مقامات اربع عشر:

المقام الأول : مَنْبتُها و منشأُوها :

عن عائشة ، قالت : قلتُ : يا رسول الله مالكَ إذا جاءت فاطمةُ قبّلتَها حتّى تجعل لسانَك في فيها كلِّه ،كأنّك تريد أن تُلعقها عَسَلاً ؟!

قال : " نعم يا عائشة ، إنّي لمّا اُسري بي إلى السماء أدخلَني جبرئيلُ الجنةَ ، فناولني منها تفّاحةً ، فأكلتُها ، فصارت نطفةً في صُلبي ، فلمّا نزلتُ واقعتُ خديجة ، ففاطمة من تلك النطفة ، وهي حوراء إنسيّة ، كلّما اشتقتُ إلى الجنة قبّلتُها" (1).

كان رسولُ الله ( صلى الله عليه و آله ) يُكثر تقبيلَ فاطمة ( عليها السلام ) فأنكرت ذلك عائشةُ ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) : " يا عائشة فما قبّلتُها قطّ إلاّ وجدتُ رائحةَ شجرة طوبى منها " (2).

المقام الثاني : طهرُها ونزاهتُها :

عائشة قالت : و كانت ـ أي فاطمة ( عليها السلام ) ـ لا تحيض قطّ لأنّها خُلِقت من تفاحةِ الجنّة (3).

عن عائشة ـ في حديث ـ قال لي رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) : " يا حميراء إنّ فاطمة ليست كنساء الآدمييّن ، و لا تعتلّ كما يعتلِلنَ " (4).

المقام الثالث : شمائلُها وأخلاقها :

عن عائشة قالت : أقبلتْ فاطمة ( عليها السلام ) تمشي ، لا والله الّذي لا إله إلاّ هو ، ما مشيتُها تخرم(5) مشيةَ رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) فلمّا رآها قال :

" مرحباً بابنتي " مرّتين أو ثلاث (6).

عن عائشة قالت : ما رأيت أحداً أشبه َسمتاً ودلاً و هدياً برسول الله ( صلى الله عليه و آله ) في قيامها و قعودها من فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) (7).

قالت عائشة : ما رأيت قطّ أحداً أفضل من فاطمة ( عليها السلام ) غير أبيها (8).

عائشة قالت : ما رأيت أحداً كان أشبهَ كلاماً و حديثاً برسول الله ( صلى الله عليه و آله ) من فاطمة ( عليها السلام ) (9).

عن عائشة : ما رايت أحدا من الناس كان أشبه بالنبي ( صلى الله عليه و آله ) كلاما ولا حديثا ولا جلسة من فاطمة (10).

المقام الرابع : منزلتها عند الله تعالى :

دخلت عائشة على رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) و هو يقبّل فاطمة ، فقلت له :أتحبّها يا رسول الله ؟ قال :

" أما والله لو علمتِ حبّي لها لازددت لها حبّاً ، إنّه لما عُرِج بي إلى السماء الرابعة أذّن جبرئيل وأقام ميكائيل ، ثم قيل لي : اُدنُ يا محمّد .

فقلت: أتقدّم وأنت بحضرتي ياجبرئيل ؟

قال : نعم ، إنّ الله عزّوجلّ فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين ، و فضّلك أنت خاصّة .

فدنوت فصلّيت بأهل السّماء الرّابعة ، ثمّ التفتّ عن يميني فإذا أنا بابراهيم ( عليه السلام ) في روضة من رياض الجنّة و قد اكتنفها جماعةٌ من الملائكة ، ثمّ إنّي صرت إلى السّماء الخامسة ، ومنها إلى السّادسة فنوديتُ : يا محمّد نعم الأبُ أبوك إبراهيم ، ونعم الأخ أخوك عليّ .

فلمّا صرتُ إلى الحجب ، أخذ جبرئيل ( عليه السلام ) بيدي فأدخلني الجنّة فإذا أنا بشجرة من نور في أصلها مَلَكان يطويان الحليَّ و الحللَ .

فقلت : حبيبي جبرئيل لمن هذه الشجرة ؟

فقال : هذه لأخيك عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) و هذان المَلَكان يطويان له الحليّ َوالحللَ إلى يوم القيامة .

ثمّ تقدّمتُ أمامي فإذا أنا برُطَب ألين من الزَبد وأطيب رائحةً من المسك وأحلى من العَسَل ، فأخذت رُطَبَةً فأكلتُها ، فتحوّلتْ الرطبة نطفةً في صُلبي ، فلمّا أن هبطت إلى الأرض واقعتُ خديجة فحمَلتْ بفاطمة ، ففاطمةُ حوراءٌ إنسيّةٌ ، فإذا اشتقتُ إلى الجنّة شممتُ رائحةَ فاطمة ( عليها السلام ) (11).

عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، وعبد الله بن عباس : لما جاء رسولَ الله الأجلُ ، فهبط ملك الموت ، فوقف شبه أعرابي ثمّ قال : السلامُ عليكم يا أهلَ بيت النّبوة ، و معدنَ الرسالة ، و مختلفَ الملائكة ، أدخلُ ؟

فقالت عائشة(12) لفاطمة ( عليها السلام ) : أجيبي الرجلَ (13).

المقام الخامس : منزلتها عند رسول الله

عن عائشة : أنّه قال علي ( عليه السلام ) للنّبي ( صلى الله عليه و آله ) لما جلس بينه و بين فاطمة ( عليها السلام ) و هما مضطجعان : أيّنا أحبُّ إليك أنا ، أو هي ؟

فقال ( صلى الله عليه و آله ) : هي أحبُّ إليَّ ، و أنت أعزُّ عليَّ منها (14).

قالت عائشة ( في جواب من سألها عن علي ( عليه السلام ) ) : تسألني عن رجل و الله ما أعلم رجلاً كان أحبّ إلى رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) من عليّ ، و لا في الأرض امرأة أحبّ إلى رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) من فاطمة (15).

عن عائشة : أنّ فاطمة ( عليها السلام ) كانت إذا دخلتْ على رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) قام لها من مجلسه ، و قبَّلَ رأسَها ، و أجلسَها مجلسَه ، وإذا جاء إليها لقِيَته ، وقبَّلَ كلّ واحدٍ منهما صاحبَه ، و جلسا معاً (16).

عن عائشة أنّها قالت : و كانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه [ وآله ] أخذ بيدها فقبَّلها ، و رحّبَ بها ، و أجلسَها في مجلسه ، و كان إذا دخلَ عليها قامتْ إليه ، ورحّبَتْ به ، و أخذتْ بيده فقبّلَتْها(17).

عائشة قالت : كان النّبي ( صلى الله عليه و آله ) إذا قَدِم من سَفَر قبَّلَ نحرَ فاطمة ( عليها السلام ) ، فقال : " منها أشمُّ رائحةَ الجنّة " (18).

عن عائشة : قال رسولُ الله ( صلى الله عليه و آله ) : " إذا اشتقتُ إلى الجنّة قَبَّلتُ نحرَ فاطمة " (19).

عن عائشة و عكرمة قالا : كان النّبي ( صلى الله عليه و آله ) إذا قَدِم من مَغازيه قَبَّل فاطمةَ ( عليها السلام ) (20).

عن عائشة قالت : كان النّبي ( صلى الله عليه و آله ) كثيراً ما يقبّل عَرف فاطمة ( عليها السلام ) (21).

قال معاذ : يا عائشة كيف رأيتِ رسولَ الله ( صلى الله عليه و آله)، عند شدّة وَجَعِه ؟

قالت : أمّا رسولُ الله فلم أقدرِ الثباتَ عندَه ، و لكن دونكَ هذه ابنتُه فاطمة ، فاسألهْا فإنّهالم تزلْ إلى جانبِهِ (22).

المقام السادس : صدق منطقها وكلامها

قالت عائشة : ما رأيت أحداً قطّ أصدقَ من فاطمة غير أبيها ، قال : ـ أي الراوي ـ وكان بينهما شيء(23) فقالت : يارسولَ الله سَلها فإنّها لا تكذبْ .

المقام السابع :كراماتها الخارقة للعادة :

قالت عائشة : كنّا نخيط ، و نغزل ، و ننظم الأبرة باللّيل في ضوء وجه فاطمة ( عليها السلام ) (24).

دخلت عائشة على أبيها فقالت : يا أبتاه إني رأيت من فاطمة أمرا عجيباً ( عجباً ) ، رأيتُها وهي تعمل في القِدر ، والقِدر على النار ، يغلي وهي تحرِّك ما في القِدر بِيدِها؟

فقال لها : يا بنتاه أُكتمي هذا الأمر ، وإنه لأمرٌ عظيم (25).

المقام الثامن : هي ونساء العالمين :

عن عائشة :
... أَسَرَّ ـ أي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ـ إليها فقلتُ : ما رأيتُ كاليوم ، فَرَحاً أقربَ من حُزنٍ ، فسألتُها عمّا قال ، فقالتْ : " ما كنتُ لأفشيَ سرَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) "

حتّى قُبِض النّبيُ ( صلى الله عليه و آله ) فسألتُها ، فقالت : " أسرَّ إليّ أنّ جبرئيل كان يُعارضني القرآنَ كلَّ سنة مرّةً ، و أنّه عارَضَني العام مرّتين ولا أراه إلاّ حَضَرَ أجلي و إنّكِ أوّلُ أهلِ بيتي لحوقاً بي ، فبكيتُ ، فقال : أما ترضينَ أن تكوني سيّدةَ نساء أهل الجنّة ، أونساءِ المؤمنين ؟ فضحكتُ لذلك " (26).

عن عائشة ، قالت لفاطمة ( عليها السلام ) : ألا اُبشّركِ ؟ إنّي سمعت رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) يقول : "سيّداتُ نساء أهل الجنّة أربع : مريم بنت عمران ، و فاطمة بنت محمد ، و خديجة بنت خويلد ، و آسية بنت مزاحم إمراة فرعون " (27).

عائشة و غيرها عن النّبي ( صلى الله عليه و آله ) ، أنّه قال : "يا فاطمة أبْشري فإنّ الله اصطفاكِ على نساء العالمين و على نساءِ الإسلام و هو خيرُ دينٍ " (28).

عن عائشة أن النّبي ( صلى الله عليه و آله ) قال و هو في مرضه الّذي توفّي فيه : " يا فاطمة ألا ترضينَ أن تكوني سيّدةَ نساء العالمين ، وسيّدةَ نساء هذه الاُمّة ، و سيّدة نساء المؤمنين " (29).

المقام التاسع :عبادتها وشدة اجتهادها :

عن عائشة : ولقد وضعتِ(30) الحسنَ بعد العصر وطهرت من نفاسها وصلتِ المغربَ ، ولذلك سميت الزهراء(31).

المقام العاشر : حياتها الزوجية :

قالت عائشة منشدةً في عرس فاطمة :

سرنَ بها فالله أعلى ذكرَها و خصَّها منه بطهرٍ طاهرٍ

وسرن مع خير نساء الورى تُفدى بعمات وخالات يا بنت من فضله ذو العلى بالوحي منه والرسالات (32).

عن عائشة و اُمّ سلمة ، قالتا : أمرَنا رسولُ الله ( صلى الله عليه و آله ) أن نجهّزَ فاطمة حتّى نُدخِلها على عليّ ، فعمدنا إلى البيت ، ففرشناهُ تراباً ليّناً من أعراض البطحاء ، ثمّ حشونا مرفقتين ليفاً فنفشناه بأيدينا ، ثمّ أطعمنا تمراً و زبيباً ، و سقينا ماءً عذباً ، وعمدنا إلى عود ، فعرضناه في جانب البيت ليُلقى عليه الثّوبُ ، و يُعلَّق عليه السّقاءُ ، فما رأينا عرساً أحسنَ من عُرسِ فاطمة (33).

المقام الحادي عشر: بعلُها وأولادها :

عن عائشة قالت: كنت عند رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) فذكرت عليّاً ، فقال :

"يا عائشة لم يكن قطّ في الدّنيا أحدٌ أحبَّ إلى الله منه و أحبَّ إليّ منه و من زوجته فاطمة ابنتي ، ومن ولديه الحسن و الحسين عليهما السلام .

يا عائشة تعلمين أيّ شيء رأيتُ لأبنتي فاطمة و لبعلها ؟

قالت : لا ، فاخبرْني يا رسول الله ؟ قال :

"يا عائشة إنّ ابنتي سيّدةُ نساء العالمين ، و إنّ بعلَها لا يُقاسُ بأحد من النّاس ، و إنّ ولديه الحسنَ والحسينَ هما ريحانتاي في الدّنيا و الآخرة.

يا عائشة أنا و فاطمة و الحسنُ و الحسينُ و أْبنُ عميّ عليٌّ في غرفةٍ من درّةٍ بيضاء ، أساسُها من رحمةِ الله تعالى ، و أطرافُها من عفوِ الله تعالى و رضوانِه ، و هي تحت عرشِ الله تعالى ، و بين عليّ و بين نور الله بابٌ ينظر إلى الله (34)، وينظر الله إليه ، وذلك وقتَ يُلجِم الله النّاسَ بالعَرَق ، على رأسه تاجٌ قد أضاء نورُه ما بين المشرق و المغرب ، وهو يرفُل في حلّتين حمراوين .

يا عائشة خُلقتْ ذريّةُ محبّينا من طينةٍ تحت العرش ، وخُلٍقت ذريّةُ مبغضينا من طينة الخَبال وهي في جهنّم )(35).

إستأذن أبوبكر على رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) فسمع صوت عائشة عالياً و هي تقول : واللهِ لقد عرفتُ أنّ عليّاً و فاطمة أحبُّ إليك منّي و من أبي ( مرّتين أو ثلاثاً ) (36).

سُئِلَت عائشة : أيُّ الناس كان أحبَّ إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟

قالت : فاطمة .

فقيل مِن الرجال ؟

قالت : زوجُها ، إن كانَ ماعلمتُ صوّاماً قوّاماً (37).

المقام الثاني عشر : نشاطها السياسي والإجتماعي :

عن عائشة ، قالت : لما بلغ فاطمة إجماعُ أبي بكر على منعها فدك لاثت خمارها على رأسها ، واشتملت بجلبابها ، و أقبلت في لمة من حفدتها و نساء قومها تطأ ذيولها ، ما تخرم مشيتُها مشيةَ رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) حتّى دخلت على أبي بكر ، وهو في حشد من المهاجرين و الأنصار و غيرهم ، فنيطت دونها ملاءة ، ثمّ أَنَّت أنّةً أجهش لها القومُ بالبكاء و ارتجّ المجلس .

ثمّ أمهلت هُنيئَةً حتّى إذا سَكنَ نشيج القوم و هدأت فورتهم ، افتتحت كلامَها بالحمد لله عزّوجلّ و الثّناء عليه والصلاة على رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) ، ثمّ قالت : لقد جاءكم رسول من أنفسكم إلى آخر الخطبة المعروفة (38).

المقام الثالث عشر : مصيرها ومآل أمرها المأساوي :

عن عائشة قالت : إنّ فاطمة ( عليها السلام ) بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسَلَت إلى أبي بكر تسألُه ميراثَها من رسول الله صلّى الله عليه مما أفاء الله عليه بالمدينة وما بقي من خمس خيبر 0000 فأبى أن يدفعَ إلى فاطمة منها شيئاً فوَجَدَتْ (39)فاطمة على أبي بكر في ذلك ، فَهَجَرتْهُ ، ولم تُكلّمْه حتّى تُوُفّيتْ و لم يؤذَن بها أبو بكر (40).!!

قالت عائشة : عاشت فاطمة بعد رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) ، ستة أشهر ، فلمّا توفّيت دفنها عليٌّ ليلاً ، وصلّى عليها (41).!!

عائشة : إنّ النّبي ( صلى الله عليه و آله ) قال لفاطمة ( عليها السلام ) : " إنّ جبرئيل أخبرني أنّه ليس امرأةٌٌ من نساء العالمين أعظمَ رزيّة منكِ ، فلا تكوني أدنى إمرأةٍ منهنّ صبراً " (42).

عن عائشة أن النّبي ( صلى الله عليه و آله ) قال لفاطمة : " هي خيرُ بناتي لأنّها اُصِيبَت فيّ َ" (43).

المقام الرابع عشر : شأنها في يوم القيامة :

عن عائشة قالت : قال النّبي ( صلى الله عليه و آله ) :

"ينادي منادٍ يومَ القيامة : غضّوا أبصاركم حتّى تمرّ فاطم بنت محمّد النّبي ( صلى الله عليه و آله ) ) " (44).

عن عائشة قالت : قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) :

" إذا كان يومُ القيامة نادى منادٍ : يا معاشر الخلائق طأطِئوا رؤوسَكم حتّى تجوزَ فاطمةُ بنت محمّد ( صلّى الله عليه و آله ) " (45).

أيها الزائر العزيز بعد أن وقفت على هذه المجموعة الطيبة حول فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) أليس من الجدير بك أن تسأل نفسك :

على ماذا يدل تسليط الأضواء الكشافة على منشأ فاطمة ومنبتها ؟

ماذا يعني التنويه بطهارتها من الرجس ونزاهتها من الدنس ؟

على ماذا تدل منزلتها الخاصة عند الله دون غيرها من نساء رسول الله الكريمات ؟

لماذا كل تلك العناية والحفاوة التي كان يوليها رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) لابنته فاطمة دون غيرها من نسائه حتى أقربهن إلى قلبه وامسهن بحياته ؟

لماذا التنويه بفضل زوجها وأبنائها العظام ؟

لماذا التاكيد على حبه المطلق لها ؟

هل كان ذلك مجرد أمر عاطفي وغريزي ، وبدافع أبوي ، وهو معلم البشرية ، وقوله وفعله سنة وحجة ، وهو أمر يتطلب منه أن يكون أبعد ما يكون عن ضغط الدوافع العاطفية المجردة ، أوغلبة الغرائز المفرطة ؟

ومع أننا نقر بأنه كان بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً ، فإننا لم نجده فعلَ مثل هذه العناية والحفاوة بغير إبنته فاطمة الزهراء ، خاصة إذا أخذنا بنظر الإعتبار عشرات الروايات والأحاديث الاخرى التى رواها غيرُ السيدة عائشة من الصحابة والصحابيات الكرام 0

ثم أليست صادقة لا تكذب باعتراف عائشة ؟

أليست آخر الناس عهداً بالنبي صاحب الرسالة دون غيرها من نسائه ؟

تأمل لحظة رجاءً ، وتجرد عن كل فكرة مسبقة ، أوحالة تمنعك من التفكير المستقل ، والقضاء العادل ، والرأي المنصف 0

أليس في ذلك كله حكمة عليا ، وإرادة منه ( صلى الله عليه و آله ) للتركيز على أمر مهم جداً يتصل بحياة الرسالة ودوامها ، وهو إلفات نظر المسلمين إلى دورها ودور زوجها علي وأبنائها الميامين في مواصلة نهجه ، وإلى مكانتهم القيادية في النظام الإسلامي العظيم ؟

1 ـ
تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ، ووسيلة المآل ، وينابيع المودة ، وغيرها .

2 ـ تفسير علي بن إبراهيم القمي كما في بحار الأنوار ، وجاء ما يناسبه ويؤيده في ما قبل وبعد من مصادر أهل السنة .

3 ـ أخبار الأُول وآثار الدُول لأحمد بن يوسف الدمشقي .

4 ـ مجمع الزوائد للهيثمي ، والدر المنثورلجلال الدين السيوطي في تفسير سورة الإسراء .

5 ـ ما يخرم أي لا ينقص أو لايختلف .

6 ـ أمالي الشيخ الطوسي وفي اللاحق من مصادرالسنة مايؤيده .

7 ـ المستدرك على الصحيحين ( البخاري ومسلم ) للحاكم النيسابوري وجامع الأصول وكذا في سنن الترمذي وفيها : وقيامها وقعودها ، ومثله في الأدب المفرد للبخاري عن عائشة أيضا .

8 ـ الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني ، ومجمع الزوائد .

للهيثمي ، والسيرة النبوية .

9 ـ المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري .

10 ـ الأدب المفرد للبخاري وحياة الصحابة للدهلوي وفضل الله الصمد للجيلاني .

11 ـ علل الشرائع للشيخ الصدوق رحمه الله وتفسير فرات الكوفي .

12 ـ يُفهم من كلام عائشة بوضوح أنها كانت ترى أن السيدة فاطمة ممن تنطبق عليهم الأوصاف المذكورة في كلام ملك الموت ، ولهذا لا يمكن اعتبار طلبها من فاطمة بأن تجيب الرجل ( أي ملك الموت المتمثل في هيئة الرجل ) أمرًا ، لكون الزهراء اكبر سنا من عائشة ، والأدب لايسمح لها بذلك ، مضافا إلى أن عائشة كانت تعرف ماتتصف به الزهراء ( عليها السلام ) من الكمالات .

13 ـ المعجم الكبير للطبراني عن جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس .

14 ـ فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل والمسند للحميدي والبداية والنهاية لابن كثير وأُسد الغابة للجزيري .

15 ـ المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري / مناقب فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) .

16 ـ ذخائر العقبى لأحمد بن عبد الله الشافعي .

17 ـ المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ومثله في سنن الترمذي /باب فضل فاطمة بنت محمد .

18 ـ ينابيع المودة للقندوزي البلخي الحنفي .

19 ـ مناقب الصحابة لأبي المظفر السمعاني .

20 ـ فضائل الصحابة لأبي المظفر السمعاني ونظيره في اسد الغابة لابن الأثيرالجزري من غيرها .

21 ـ الجامع الصغير لجلال الدين السيوطي .

22 ـ المنتقى .

23 ـ كان بينهما أي بين عائشة وفاطمة .

24 ـ أخبار الأُول وآثار الدول لأحمد بن يوسف الدمشقي .

25 ـ ثاقب المناقب لمحمد بن علي الطوسي .

26 ـ صحيح البخاري ومسلم ومسند احمد وغيرهم كثير .

27 ـ المستدرك على الصحيحين للحاكم ، ومجمع الزوائد للهيثمي ، وكنز العمال للمتقي الهندي الحنفي .

28 ـ تاريخ بغداد للخطيب البغدادي .

29 ـ المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري وكنز العمال للمتقي الهندي الحنفي .

30 ـ أي وضعت فاطمة الزهراء .

31 ـ أخبار الأول وآثار الدول لأحمد بن يوسف الدمشقي .

32 ـ كتاب مولد فاطمة عن وكتاب أهل البيت لعَلَم .

33 ـ سنن ابن ماجة .

34 ـ من الواضح جداً أن المراد من ( نظر عليٍّ الى الله ) ليس هو النظر بالبصر لانتفاء الجسمانية عن الله تعالى بالعقل والنقل وانما هو كناية عن القرب المعنوي الشديد .

35 ـ الروضة والفضائل لابن شاذان .

36 ـ مسند أحمد- مسند النعمان بن بشير ، ومجمع الزوائد للهيثمي .

37 ـ سنن الترمذي و المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ، و اسد الغابة للجزيري .

38 ـ الاحتجاج للطبرسي .

39 ـ وَجَدَتْ أي غضبت .

40 ـ صحيح البخاري / باب غزوة خيبر الحديث رقم 38 .

41 ـ المناقب لابن شهراشوب و جاء مثله في الصحاح عن غيرها كثير .

42 ـ دلائل النبوة للبيهقي ومشكل الآثار للطحاوي .

43 ـ إنسان العيون للحلبي الشافعي وزاد في ارشاد الساري : وحق لمن كانت هذه حالتها أن تسود نساء الجنة .

44 ـ تفسير فرات الكوفي .

45 ـ تاريخ بغداد للخطيب البغدادي .

تتمة...

Monday, May 7, 2012

هوية الزهراء فاطمة عليها السلام

فاطمة الزهراء عليها السلام الشهيدة أشهر أسمائها : فاطمة . وأشهر ألقابها : الزهراء .
وأشهر كناها : أم أبيها .
والدها : رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
والدتها : خديجة أم المؤمنين سلام الله عليها .
زوجها : علي أمير المؤمنين سلام الله عليه .
ولادتها : على المشهور في يوم الجمعة ( 20 ) من جمادى الأخرى سنة ( 5 ) من البعثة بمكة المكرمة في دار أمها خديجة عليها السلام .
وفاتها : عاشت بعد أبيها ( 75 ) يوما على الأشهر ،
و ( 95 ) يوما على الأقوى .
 وعمرها عند وفاتها ثمانية عشر سنة إلا أياما .
مدفنها : دفنها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ليلا طبقا لوصيتها ولم يعلن للناس ، فأصبح قبرها مخفيا إلا لدى الخواص الذين حضروا دفنها ، وكانت هي راضية عنهم . واختلفت الروايات بين البقيع وبيتها والروضة التي بين قبر النبي صلى الله عليه وآله ومنبره .
  أولادها : الإمامان الهمامان الحسن والحسين عليما السلام وزينب الكبرى وأم كلثوم ومحسن الذي سقط لما عصرت سلام الله عليها بين الحائط والباب .
كما أن تلك العصرة كانت هي علة وفاتها أيضاً .
فضائلها : لا تعد ولا تحصى كيف وهي الصديقة الكبرى والإنسية الحوراء والبتول العذراء ومحور أصحاب الكساء وشفيعة يوم الجزاء صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها .

تتمة...

الزعراء ع يوم القيامة

20 جمادي الاخرة مولد الطهر والنور الازهر مولد مولاتنا السيدة فاطمة الزهراء عليها سلام وصلوات. عن جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة على ناقة من نوقِ الجنّة، مدبّجة الجنبين، خطامها من لؤلؤ رطب، قوائمها من الزمرد الأخضر، ذنَبُها من المسك الأذفَر، عيناها ياقوتتان حمراوان، عليها قبّة من نور يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنُها من ظاهرها داخلُها عفو الله، وخارجها رحمة الله، على رأسها تاج من نور، للتاج سبعون ركناً، كلّ ركن مرصّع بالدرّ والياقوت، يضيء كما يضيء الكوكب الدرّي في أُفق السماء، وعن يمينها سبعون ألف ملك، وعن شمالها سبعون ألف ملك، وجبرئيل آخذ بخطام الناقة، ينادي بأعلى صوته: غضّوا أبصاركم حتّى تجوز فاطمة بنت محمّد. فلا يبقى يومئذ نبيّ ولا رسول ولا صدّيق ولا شهيد، إلاّ غضّوا أبصارهم حتّى تجوز فاطمة بنت محمّد، فتسير حتى تحاذي عرش ربّها جل جلاله، فتزجَّ بنفسها عن ناقتها، وتقول: إلهي وسيّدي! أُحكم بيني وبين من ظلمني، الّلهم أُحكم بيني وبين من قتل ولدي!
فإذا النداء من قبل الله جلّ جلاله: يا حبيبتي وابنة حبيبي، سليني تعطي، واشفعي تشفّعي، فوعزّتي وجلالي لا جازني ظلم ظالم. فتقول: إلهي! ذُرّيتي وشيعتي وشيعة ذُرّيتي، ومحبّي ومحبّي ذرّيتي.
فإذا النداء من قبل الله جلّ جلاله: أين ذرّية فاطمة وشيعتها ومحبّوها ومحبّو ذرّيتها؟
فيُقبلون وقد أحاط بهم ملائكة الرحمة، فتقدُمهم فاطمة حتى تُدخلهم الجنّة.
هذه منازل ليس فيها مبالغات ولا تجاوز عن الحدّ، فهذا إكرام من الله لأولياء الله صلوات الله عليهم، ولشيعة آل الله.

تتمة...

Thursday, May 3, 2012

الفتوحات الاسلامية

ان من يتغنون اليوم ان الاسلام والمسلمين في يوم من الايام بسط سلطانه على ثلاثة ارباع العالم القديم ولو استمرت الدولة العثمانية لاكتسح اؤكد اكتسح الاسلام اوروبا.
أقول:ان جل ما بنا من مصائب اليوم وما يحاك ضدنا من غير المسلمين والعداوات التي نشهدها وشهدها وهالهم فضائعها من كانوا قبلنا وما شهدنا بعضا منها في حرب البوسنة هندوس ومسلمين هو ثمار ذلك الاكتساح وندفع نحن اجيال المسلمين اثمان شطحات الماضين. يوم لم تكن الفتوحات بهدف نشر الدين وتعاليمه السمحاء بقدر ما كان كغيره وغيرهم من الغزاة الطامحين الى ما بأيدي المفتتحين المغلوب على امرهم وكان المسلمون فيه غزاة اجلاف غلاظ لم يرقبوا في الله الاً ولا ذمة ولم يرقبوا الاسلام ولا نشره بل الهدف نساء جواري مغانم اراضي جديدة وبالتالي ممالك جديده ليتربعوا على عروشها امراء متخمين آخر همهم الدين.

تتمة...

Wednesday, May 2, 2012

اشراط يوم القيامة

اشراط يوم القيامة
عن عبد الله بن عباس قال: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه واله حجة الوداع فأخذ بحلقة باب الكعبة ثم أقبل علينا بوجهه فقال: ألا اخبركم بأشراط الساعة ؟
- وكان أدنى الناس منه يومئذ سلمان رضي الله عنه - فقال: بلى يارسول الله،
فقال: إن من أشراط القيامة إضاعة الصلاة، واتباع الشهوات، والميل مع الاهواء وتعظيم أصحاب المال، وبيع الدين بالدنيا، فعندها يذاب قلب المؤمن وجوفه كما يذوب الملح في الماء مما يرى من المنكر فلا يستيطيع أن يغيره.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يارسول الله ؟ قال: إي والذي نفسي بيده.
 يا سلمان إن عندها امراء جورة، ووزراء فسقة، وعرفاء ظلمة، وامناء خونة.
 فقال سلمان: وإن هذا لكائن يارسول الله ؟ قال: إي والذي نفسي بيده.
 يا سلمان إن عندها يكون المنكر معروفا، والمعروف منكرا، ويؤتمن الخائن ويخون الامين، ويصدق الكاذب، ويكذب الصادق، قال سلمان: وإن هذا لكائن يارسول الله ؟ قال: إي والذي نفسي بيده.
 يا سلمان فعندها إمارة النساء، ومشاورة الاماء، وقعود الصبيان على المنابر، ويكون الكذب طرفا، والزكاة مغرما، والفيئ مغنما، ويجفو الرجل والديه، و يبر صديقه، ويطلع الكوكب المذنب.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يارسول الله ؟ قال: أي والذي نفسي بيده.
 يا سلمان وعندها تشارك المرأة زوجها في التجارة، ويكون المطر قيظا، ويغيظ الكرام غيظا، ويحتقر الرجل المعسر، فعندها يقارب الاسواق إذا قال هذا: لم أبع شيئا وقال هذا: لم أربح شيئا فلا ترى إلا ذاما لله.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يارسول الله ؟ قال: إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان فعندها يليهم أقوام إن تكلموا قتلوهم، وإن سكتوا استباحوهم ليستأثروا بفيئهم، وليطؤن حرمتهم، وليسفكن دماءهم، ولتملان قلوبهم رعبا، فلا تراهم إلا وجلين خائفين مرعوبين مرهوبين.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يارسول الله ؟ قال إي والذي نفسي بيده. يا سلمان: إن عندها يؤتى بشئ من المشرق وشئ من المغرب يلون امتي (أي تختلف أخلاقهم، فلا ترى فيهم الخلق ) فالويل لضعفاء امتي منهم، والويل لهم من الله، لا يرحمون صغيرا، ولا يوقرون كبيرا ولا يتجاوزون عن مسئ، أخبارهم خناء، جثتهم جثة الآدميين وقلوبهم قلوب الشياطين.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يارسول الله ؟ قال: إي والذي نفسي بيده.
 يا سلمان، وعندها تكتفي الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، ويغار على الغلمان (أغار عليهم:هجم وأوقع بهم) كما يغار على الجارية في بيت أهلها، ويشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، ويركبن ذوات الفروج السروج فعليهن من امتي لعنة الله.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يارسول الله ؟ فقال صلى الله عليه واله: إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان إن عندها تزخرف المساجد كما تزخرف البيع والكنائس، ويحلى المصاحف، وتطول المنارات، وتكثر الصفوف بقلوب متباغضة وألسن مختلفة.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يارسول الله ؟ قال صلى الله عليه واله: إي والذي نفسي بيده.
وعندها تحلى ذكور امتي بالذهب، ويلبسون الحرير والديباج، ويتخذون جلود النمور صفافا.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يارسول الله ؟ قال صلى الله عليه واله: إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان وعندها يظهر الربا، ويتعاملون بالغيبة والرشاء،ويوضع الدين، وترفع الدنيا.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يارسول الله ؟ فقال صلى الله عليه واله: إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان وعندها يكثر الطلاق، فلا يقام لله حد، ولن يضر الله شيئا، قال سلمان: وإن هذا لكائن يارسول الله ؟ قال صلى الله عليه وآله: إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان وعندها تظهر القينات والمعازف، ويليهم أشرار امتي. قال سلمان: وإن هذا لكائن يارسول الله ؟ قال صلى الله عليه واله: إي والذي نفسي بيده.
  يا سلمان وعندها تحج أغنياء امتي للنزهة، وتحج أوساطها للتجارة، وتحج فقراؤهم للرياء والسمعة، فعندها يكون أقوام يتعلمون القرآن لغير الله، ويتخذونه مزامير، ويكون أقوام يتفقهون لغير الله، ويكثر أولاد الزنا، ويتغنون بالقرآن، ويتهافتون بالدنيا، (أي يتساقطون بها. وأكثر استعماله في الشر).
قال سلمان: وإن هذا لكائن يارسول الله ؟ قال صلى الله عليه واله: إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان ذاك إذا انتهكت المحارم، واكتسبت المآثم، وسلط الاشرار على الاخيار، ويفشو الكذب، وتظهر اللجاجة، ويفشو الحاجة، ويتباهون في اللباس ويمطرون في غير أوان المطر، ويستحسنون الكوبة والمعازف، وينكرون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى يكون المؤمن في ذلك الزمان أذل من في الامة ويظهر قراؤهم وعبادهم فيما بينهم التلاوم، فاولئك يدعون في ملكوت السماوات: الارجاس والانجاس.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يارسول الله ؟ فقال صلى الله عليه واله: إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان فعندها لا يخشى الغني إلا الفقر حتى أن السائل ليسأل فيما بين الجمعتين لا يصيب أحدا يضع في يده شيئا.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يارسول الله ؟ قال صلى الله عليه واله، إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان عندها يتكلم الرويبضة، فقال: وما الرويبضة يارسول الله فداك أبي وامي ؟ قال صلى الله عليه واله: يتكلم في أمر العامة من لم يكن يتكلم، فلم يلبثوا إلا قليلا حتى تخور الارض خورة، فلا يظن كل قوم إلا أنها خارت في ناحيتهم فيمكثون ما شاء الله ثم ينكتون في مكثهم فتلقي لهم الارض أفلاذ كبدها - قال: ذهب وفضة - ثم أومأ بيده إلى الاساطين فقال: مثل هذا، فيومئذ لا ينفع ذهب ولا فضة.
  بيان قوله صلى الله عليه واله: ويكون الكذب طرفا أي يستطرفه الناس ويعجبهم،
 والكوكب المذنب: ذو الذنب.
يوم قائظ: شديد الحر، ومنه حديث أشراط الساعة: يكون الولد غيظا، والمطر قيظا، لان المطر إنما يراد للنبات وبرد الهواء، والقيظ ضد ذلك.
ويقال: استباحهم أي استأصلهم.
قوله صلى الله عليه واله: يلون امتي من اللون أي يتلونون ويتزينون بألوان مختلفة مما يؤتى إليهم من المشرق والمغرب. قوله صلى الله عليه واله: ويتخذون جلود النمور صفاقا أي يرققونها ويلبسونها، والثوب الصفيق: ضد السخيف، أو يعملونها للدف والعود وسائر آلات اللهو يقال: صفق العود أي حرك أوتاره، والصفق: الضرب يسمع له صوت.
والقينة: الامة المغنية: والمعازف: الملاهي كالعود والطنبور.
قوله صلى الله عليه واله: يتخذونه مزامير أي يتغنون به،صوته وحلاوة نغمته بصوت المزمار.
والتهافت: التساقط،
والكوبة بالضم: النرد والشطرنج والطبل الصغير المخصر والبربط.
ينطق الرويبضة في أمر العامة، قيل: وما الرويبضه يارسول الله ؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة، والرويبضة تصغير الرابضة وهو العاجز الذى ربض عن معالي الامور وقعد عن طلبها، وزيادة التاء للمبالغة،
والتافة: الحقير الخسيس.
وقال صلى الله عليه واله في أشراط الساعة: تقئ الارض أفلاذ كبدها أي تخرج كنوزها المدفونة فيها، وهو استعارة، والافلاذ جمع فلذ، والفلذ جمع فلذة، وهي القطعة المقطوعة طولا، ومثله قوله تعالى: " وأخرجت الارض أثقالها ". وخار الثور: صاح. تقئ الارض أفلاذ كبدها مثل الاسطوان من الذهب والفضة، فيجئ القاتل فيقول: في مثل هذا قتلت، ويجئ القاطع للرحم فيقول: في مثل هذا قطعت رحمي، ويجئ السارق فيقول: في هذا قطعت يدي، ثم يتركونه ولا يأخذون منه شيئا. معنى تقئ أي تخرج ما فيها من الذهب والفضة، وذلك من علامات قرب الساعة، وقوله: تقئ تشبيه واستعارة من حيث كان إخراجا وإظهارا، وكذلك تسمية ما في الارض من الكنوز كبدا تشبيها بالكبد التي في بطن البعير وغيره، وللعرب في هذا مذهب معروف، واختلف أهل اللغة في الافلاذ الفلذ لا يكون إلا للبعير، وهو قطعة من كبده، ولا يقال فلذ الشاة، ولا فلذالبقر.

تتمة...