ما اجمع عليه المسلمون من اخر افعال واقوال سيد المرسلين محمد صلوات الله عليه وعليهم قوله:
يا أيها الناس إني فرطكم، وأنتم واردون علي الحوض، ألا وإني سائلكم عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يلقياني، وسألت ربي ذلك فأعطانيه، ألا وإني قد تركتهما فيكم:
كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فلا تسبقوهم فتفرقوا، ولا تسبقوهم فتقرقوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، أيها الناس لا ألفينكم بعدي ترجعون كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض، فتلقوني في كتيبة كمجر السيل الجرار،
ألا وإن علي بن أبيطالب أخي ووصيي،
يقاتل بعدي على تأويل القرآن،
كما قاتلت على تنزيله.
فكان (صلى الله عليه وآله) يقوم مجلسا بعد مجلس بمثل هذا الكلام ونحوه.
ثم إنه عقد لاسامة بن زيد بن حارثة الامرة، وأمره وندبه أن يخرج بجمهور الامة إلى حيث اصيب أبوه من بلاد الروم، واجتمع رأيه على إخراج جماعة من مقدمي المهاجرين والانصار في معسكره، حتى لا يبقى في المدينة عند وفاته من يختلف في الرياسة، ويطمع في التقدم على الناس بالامارة، ويستتب الامر لمن استخلفه من بعده ولا ينازعه في حقه منازع، فعقد له الامرة على ما ذكرناه، وجد في إخراجهم وأمر اسامة بالبروز عن المدينة بمعسكره إلى الجرف، وحث الناس على الخروج إليه والمسير معه، وحذرهم من التلوم والابطاء عنه،
فبينا هو في ذلك إذ عرضت له الشكاة التي توفي فيها، فلما أحس بالمرض الذي عراه أخذ بيد علي بن أبي طالب واتبعه جماعة من الناس وتوجه إلى البقيع، فقال للذي اتبعه: إنني قد امرت بالاستغفار لاهل البقيع، فانطلقوا معه حتى وقف بين أظهرهم، وقال:
" السلام عليكم أهل القبور، ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما فيه الناس، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها " ثم استغفر لاهل البقيع طويلا،
وأقبل على أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: " إن جبرئيل (عليه السلام) كان يعرض علي القرآن كل سنة مرة، وقد عرضه علي العام مرتين، ولا أراه إلا لحضور أجلي>
ثم قال: " يا علي إني خيرت بين خزائن الدنيا والخلود فيها أو الجنة، فاخترت لقاء ربي والجنة، فإذا أنا مت فاستر عورتي فانه لا يراها أحد إلا أكمه "
ثم عاد إلى منزله فمكث ثلاثة أيام موعوكا، ثم خرج إلى المسجد ثم خرج إلى المسجد يوم الاربعاء معصوب الرأس معتمدا على أمير المؤمنين (عليهما السلام) بيمنى يديه، وعلى الفضل بن عباس باليد الاخرى، حتى صعد المنبر فجلس عليه ثم قال: " معاشر الناس وقد حان مني خفوق من بين أظهركم، فمن كان له عندي عدة فليأتني أعطه إياها، ومن كان له علي دين فليخبرني به،
معاشر الناس ليس بين الله وبين أحد شئ يعطيه به خيرا، أو يصرف عنه به شرا إلا العمل،
أيها الناس لا يدعي مدع ولا يتمنى متمن، والذي بعثني بالحق نبيا لا ينجي إلا عمل مع رحمة، ولو عصيت لهويت اللهم هل بلغت.
ثم نزل فصلى بالناس صلاة خفيفة،
ثم دخل بيته وكان إذا ذاك في بيت ام سلمة رضي الله عنها، فأقام به يوما أو يومين، فجاءت عائشة إليها تسألها أن تنقله إلى بيتها لتتولى تعليله، وسألت أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) في ذلك فأذن لها، فانتقل إلى البيت الذي أسكنه عائشة.
واستمر به المرض فيه أياما وثقل، فجاء بلال عند صلاة الصبح ورسول الله (صلى الله عليه وآله) مغعمور بالمرض، فنادى: الصلاة يرحمكم الله، فاؤذن رسول الله بندائه.
فقال: يصلي بالناس بعضهم فإني مشغول بنفسي،
فقالت عائشة: مروا أبا بكر،
وقالت حفصة: مروا عمر،
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين سمع كلامهما ورأى حرص كل واحد منهما على التنويه بأبيها وافتتانهما بذلك
ورسول الله (صلى الله عليه وآله) حي: " اكففن فإنكن صويحبات يوسف "
ثم قام (صلى الله عليه وآله) مبادرا خوفا من تقدم أحد الرجلين، وقد كان (صلى الله عليه وآله) أمرهما بالخروج مع اسامة ولم يك عنده أنهما قد تخلفا، فلما سمع من عائشة وحفصة ما سمع علم أنهما متأخران عن أمره، فبدر لكف الفتنة وإزالة الشبهة، فقام (صلى الله عليه وآله) وإنه لا يستقل على الارض من الضعف، فأخذ بيد علي بن أبي طالب والفضل بن العباس، فاعتمد عليهما ورجلاه يخطان الارض من الضعف، فلما خرج إلى المسجد وجد أبا بكر قد سبق إلى المحراب، فأومأ إليه بيده أن تأخر عنه، فتأخر أبو بكر، وقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) مقامه فكبر وابتدأ الصلاة التي كان ابتدأها أبو بكر، ولم يبن على ما مضى من فعاله، فلما سلم انصرف إلى منزله، واستدعى أبا بكر وعمر وجماعة من حضر المسجد من المسلمين ثم قال: " ألم آمر أن تنفذوا جيش اسامة ؟
" فقالوا: بلى يا رسول الله،
قال: " فلم تأخرتم عن أمري ؟
" قال أبو بكر: إني كنت قد خرجت ثم رجعت لاجدد بك عهدا، وقال عمر: يا رسول الله إني لم أخرج لانني لم احب أن أسأل عنك الركب،
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): " نفذوا جيش اسامة نفذوا جيش اسامة " يكررها ثلاث مرات،
ثم اغمي عليه من التعب الذي لحقه والاسف فمكث هنيئة مغمى عليه
وبكى المسلمون وارتفع النحيب من أزواجه وولده ونساء المسلمين وجمع من حضر من المسلمين فأفاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنظر إليهم ثم قال:
" ايتوني بدواة وكتف لاكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا "
ثم اغمي عليه، فقام بعض من حضر يلتمس دواة وكتفا، فقال له عمر: " ارجع فإنه يهجر " فرجع وندم من حضر على ما كان منهم من التضيع في إحضار الدواة والكتف وتلاوموا بينهم، وقالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون، لقد أشفقنا من خلاف رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما أفاق (صلى الله عليه وآله) قال بعضم: ألا نأتيك بدواة وكتف يا رسول الله ؟ فقال: " أبعد الذي قلتم ؟
لا،
ولكني اوصيكم بأهل بيتي خيرا " انتهى.
وكان ذلك في يوم الخميس، وكان ابن عباس بعد ذلك يقول: الخميس وما يوم الخميس. مصادر:
اعلام الورى
بصائر الدرجات
بحار الأنوار
صحيح البخاري.
يا أيها الناس إني فرطكم، وأنتم واردون علي الحوض، ألا وإني سائلكم عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يلقياني، وسألت ربي ذلك فأعطانيه، ألا وإني قد تركتهما فيكم:
كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فلا تسبقوهم فتفرقوا، ولا تسبقوهم فتقرقوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، أيها الناس لا ألفينكم بعدي ترجعون كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض، فتلقوني في كتيبة كمجر السيل الجرار،
ألا وإن علي بن أبيطالب أخي ووصيي،
يقاتل بعدي على تأويل القرآن،
كما قاتلت على تنزيله.
فكان (صلى الله عليه وآله) يقوم مجلسا بعد مجلس بمثل هذا الكلام ونحوه.
ثم إنه عقد لاسامة بن زيد بن حارثة الامرة، وأمره وندبه أن يخرج بجمهور الامة إلى حيث اصيب أبوه من بلاد الروم، واجتمع رأيه على إخراج جماعة من مقدمي المهاجرين والانصار في معسكره، حتى لا يبقى في المدينة عند وفاته من يختلف في الرياسة، ويطمع في التقدم على الناس بالامارة، ويستتب الامر لمن استخلفه من بعده ولا ينازعه في حقه منازع، فعقد له الامرة على ما ذكرناه، وجد في إخراجهم وأمر اسامة بالبروز عن المدينة بمعسكره إلى الجرف، وحث الناس على الخروج إليه والمسير معه، وحذرهم من التلوم والابطاء عنه،
فبينا هو في ذلك إذ عرضت له الشكاة التي توفي فيها، فلما أحس بالمرض الذي عراه أخذ بيد علي بن أبي طالب واتبعه جماعة من الناس وتوجه إلى البقيع، فقال للذي اتبعه: إنني قد امرت بالاستغفار لاهل البقيع، فانطلقوا معه حتى وقف بين أظهرهم، وقال:
" السلام عليكم أهل القبور، ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما فيه الناس، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها " ثم استغفر لاهل البقيع طويلا،
وأقبل على أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: " إن جبرئيل (عليه السلام) كان يعرض علي القرآن كل سنة مرة، وقد عرضه علي العام مرتين، ولا أراه إلا لحضور أجلي>
ثم قال: " يا علي إني خيرت بين خزائن الدنيا والخلود فيها أو الجنة، فاخترت لقاء ربي والجنة، فإذا أنا مت فاستر عورتي فانه لا يراها أحد إلا أكمه "
ثم عاد إلى منزله فمكث ثلاثة أيام موعوكا، ثم خرج إلى المسجد ثم خرج إلى المسجد يوم الاربعاء معصوب الرأس معتمدا على أمير المؤمنين (عليهما السلام) بيمنى يديه، وعلى الفضل بن عباس باليد الاخرى، حتى صعد المنبر فجلس عليه ثم قال: " معاشر الناس وقد حان مني خفوق من بين أظهركم، فمن كان له عندي عدة فليأتني أعطه إياها، ومن كان له علي دين فليخبرني به،
معاشر الناس ليس بين الله وبين أحد شئ يعطيه به خيرا، أو يصرف عنه به شرا إلا العمل،
أيها الناس لا يدعي مدع ولا يتمنى متمن، والذي بعثني بالحق نبيا لا ينجي إلا عمل مع رحمة، ولو عصيت لهويت اللهم هل بلغت.
ثم نزل فصلى بالناس صلاة خفيفة،
ثم دخل بيته وكان إذا ذاك في بيت ام سلمة رضي الله عنها، فأقام به يوما أو يومين، فجاءت عائشة إليها تسألها أن تنقله إلى بيتها لتتولى تعليله، وسألت أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) في ذلك فأذن لها، فانتقل إلى البيت الذي أسكنه عائشة.
واستمر به المرض فيه أياما وثقل، فجاء بلال عند صلاة الصبح ورسول الله (صلى الله عليه وآله) مغعمور بالمرض، فنادى: الصلاة يرحمكم الله، فاؤذن رسول الله بندائه.
فقال: يصلي بالناس بعضهم فإني مشغول بنفسي،
فقالت عائشة: مروا أبا بكر،
وقالت حفصة: مروا عمر،
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين سمع كلامهما ورأى حرص كل واحد منهما على التنويه بأبيها وافتتانهما بذلك
ورسول الله (صلى الله عليه وآله) حي: " اكففن فإنكن صويحبات يوسف "
ثم قام (صلى الله عليه وآله) مبادرا خوفا من تقدم أحد الرجلين، وقد كان (صلى الله عليه وآله) أمرهما بالخروج مع اسامة ولم يك عنده أنهما قد تخلفا، فلما سمع من عائشة وحفصة ما سمع علم أنهما متأخران عن أمره، فبدر لكف الفتنة وإزالة الشبهة، فقام (صلى الله عليه وآله) وإنه لا يستقل على الارض من الضعف، فأخذ بيد علي بن أبي طالب والفضل بن العباس، فاعتمد عليهما ورجلاه يخطان الارض من الضعف، فلما خرج إلى المسجد وجد أبا بكر قد سبق إلى المحراب، فأومأ إليه بيده أن تأخر عنه، فتأخر أبو بكر، وقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) مقامه فكبر وابتدأ الصلاة التي كان ابتدأها أبو بكر، ولم يبن على ما مضى من فعاله، فلما سلم انصرف إلى منزله، واستدعى أبا بكر وعمر وجماعة من حضر المسجد من المسلمين ثم قال: " ألم آمر أن تنفذوا جيش اسامة ؟
" فقالوا: بلى يا رسول الله،
قال: " فلم تأخرتم عن أمري ؟
" قال أبو بكر: إني كنت قد خرجت ثم رجعت لاجدد بك عهدا، وقال عمر: يا رسول الله إني لم أخرج لانني لم احب أن أسأل عنك الركب،
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): " نفذوا جيش اسامة نفذوا جيش اسامة " يكررها ثلاث مرات،
ثم اغمي عليه من التعب الذي لحقه والاسف فمكث هنيئة مغمى عليه
وبكى المسلمون وارتفع النحيب من أزواجه وولده ونساء المسلمين وجمع من حضر من المسلمين فأفاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنظر إليهم ثم قال:
" ايتوني بدواة وكتف لاكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا "
ثم اغمي عليه، فقام بعض من حضر يلتمس دواة وكتفا، فقال له عمر: " ارجع فإنه يهجر " فرجع وندم من حضر على ما كان منهم من التضيع في إحضار الدواة والكتف وتلاوموا بينهم، وقالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون، لقد أشفقنا من خلاف رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما أفاق (صلى الله عليه وآله) قال بعضم: ألا نأتيك بدواة وكتف يا رسول الله ؟ فقال: " أبعد الذي قلتم ؟
لا،
ولكني اوصيكم بأهل بيتي خيرا " انتهى.
وكان ذلك في يوم الخميس، وكان ابن عباس بعد ذلك يقول: الخميس وما يوم الخميس. مصادر:
اعلام الورى
بصائر الدرجات
بحار الأنوار
صحيح البخاري.
No comments:
Post a Comment