كتاب شرح نونية القرني
كان صلاح الدين يعتبر - مثله كمثل كل المسلمين السنيين في المشرق - أن الفاطميين كفرة وإذا كان لديه من السياسة ما يكفي لاستيعابهم ؛ فلم يكن لديه من الثقافة الدينية ما يفهم به كفرهم ومعانيهم الباطنية ، وفلسفة المذهب اللاهوتية . ولما كان قد أضحى وزير تفويض مطلق اليد، والخليفة العاضد أكثر عزلة فأكثر ، وليس في يده أمر سوى الشكل والاسم ؛ فإن صلاح الدين أخذ في تعديل وتسوية ما كان يعتبره انحرافاً عن الدين السوي - بتقوية السنة ، ويعتبره واجباً أمام الله ، فقام بخطوات عديدة بهذا الاتجاه ( التقويمي ) التصحيحي حسب معتقده يرضى به نفسه وسيده نور الدين والخلافة العباسية وأهل السنة جميعاً ؛ ومن ذلك:
أنه عزل قضاة مصر الشيعة بوصفه كافل القضاة وقطع أرزاقهم، وجعل القضاء للشافعية فقط .
سرَّح الدعاة وألغى مجالس الدعوة .
أزال مظاهر المذهب في العبادة - الأذان بحيَّ على خير العمل صلاة الضحى صيام رمضان ثلاثين يوماً .
ألغى عن السكة - النقد - صيغة ( علي ولي الله )
منع صلاة الجمع في الجامع الأزهر وجامع الحاكم .
إلغاء الخلافة الفاطمية :
ولم يجد نور الدين من عذر لصلاح الدين بعد أن صار قوىَّ المركز ، في تأجيل المطلب الأساسي ، فبعث ( في شهر حزيران 1171م ) بأمر رسمي له باتخاذ الخطوة الحاسمة وإعلان الخلافة العباسية في مصر ، وأبلغ الخليفة العباسي في بغداد ذلك .
ونفذ صلاح الدين الأمر ( في أول جمعة من محرم سنة 567هـ / سبتمبر 1171م ) ، وقصة هذا الإلغاء يجعلها بعض المؤرخين ذوي العواطف الفاطمية قصة مأسوية ، ولكنها تمت بكل هدوء وبساطة بين صمت هؤلاء وترحيب أهل السنة في مصر ، وضجيج الشام ، وأفراح بغداد وزيناتها ، وضرب الطبول ونشر الرايات ونثر الدنانير .
وكان العاضد قد مرض مرضاً شديداً واشتد مرضه فلم يُعلمه أحد من أهله وأصحابه ( بما تم من قطع الخطبة له ، وقالوا : إن عوفي فهو يعلم ، وإن توفي فلا ينبغي أن نفجعه بمثل هذه الحادثة قبل موته فتوفي في يوم عاشوراء ( يوم استشهاد الحسين ) ولم يعلم بقطع الخطبة " وكان الخطيب في الجمعة الأولى رجلاً أعجمياً ادعى انه نسي اسم الخليفة العباسي فلم يدعُ له ؛ لكن الخطبة في الجمعة التالية كانت للمستضيء ويظهر فرح نور الدين بإلغاء الخلافة الفاطمية واضحاً في المنشور الذي أمر بأن يقرأ على المنابر في جميع المدن والقرى بمملكته وفيه :
" اصدرنا هذه المكاتبة إلى جميع البلاد الإسلامية عامة بما فتح الله على أيدينا من إقامة الدعوة العباسية بجميع المدن والأقطار والأمصار المصرية " والإسكندرية ومصر والقاهرة وسائر الأطراف وهذا شرف لزماننا هذا وأهله ، يفتخر به على الأزمنة التي مضت وما زالت هممنا إلى مصر مصروفة حتى ظفرنا بها بعد يأس الملوك منها ، وقدرنا عليها وقد عجزوا عنها وبقيت مئتين وثمانين سنة ممنوَّة بدعوة المبطلين مموَّلة بحزب الشياطين حتى أذن الله لغمَّتها بالانفراج بعد أن اجتمع عليها داءان الكفر والبدعة - يقصد الفرنج والمذهب الفاطمي - فملّكنا الله تلك البلاد ، ومكّن لنا في الأرض ، وأقدرنا على ما كنا نؤمله في إزالة الإلحاد والرفض ومن إقامة الفرض وتقدمنا إلى من استنبناه أن يستفتح باب السعادة ويقيم الدعوة العباسية هنالك ( ويُورد ) دعاة الإلحاد بها المهالك (1)..
_______________________________________________
(1) ... صلاح الدين الفارس المجاهد والملك الزاهد بقلم شاكر مصطفى ص107
158- لا تقرأن كتب الضلال فإنها **** سم الفؤاد وعلة الغثيان
159- إلا لمن أمن الخداع وكان من **** أهل البصيرة حافظاً لجنان
No comments:
Post a Comment