Thursday, March 25, 2010

التصوف

أصل الكلمة اللغوي مأخوذ ومشتق من الصوف، صوف الأغنام تحديدا لان اتباعها اتخذوا الصوف لباسا لهم دائم صيف شتاء.

وذلك بخلاف التفسيرات الكثيرة الأخرى للتسمية أمثال:
الصوفية أنها من التصفية أي تصفية القلب من معاشرة الناس والسلوك البشري واتخاذ الصفات الروحانية.
وقيل: أنه مشتق من الصفاء أو الصفو والمقصود به صفو أهل التصوف وانشراح صدورهم ورضاهم بما يجريه الله عليهم، وهم بما أطلعهم الله عليه صفو من كدر الجهل.
والأصح أنها مشتقة من الصوف الذي كانوا يرتدونه. فقد كان الصوف لباس الأنبياء والحواريين والزهاد والناسكين ولباس أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، الذي سيكون له الشأن الاكبر مع المتصوفة.
إن منشأ النزوع إلى التصوف هو ثورة الضمير على ما يصيب الناس من مظالم، ولا يعنى به مظالم الآخرين للاخرين، أنما من ظلم الإنسان لنفسه، وتؤدي هذه الثورة وأرهاصاتها الداخلية لدى المتألم بنارها والمكتوي بلظاها الى رغبة عارمة في نفسه اججها الظلم لديه في الكشف عن الله بأية وسيلة وتحصيل رضاه.
أما التصوف بالاصطلاح فهو: طريقة سلوك ومبدأ عيش، قوامه التقشف والزهد في العيش والتخلى عن الملكية والتحلي بفضائل تسمح للنفس بان تزكو وتسمو وتحلق الروح في الحياة بجوار الله في ملكوته.
وعلم التصوف: هو مجموعة من المبادئ التي يعتقدها المتصوفة، والآداب التي يتأدبون بها في مجتمعاتهم ونعني بها تكاياهم وزواياهم الخاصة بهم ، ومن طريقة صلواتهم التي يؤدنها.
ان النزوع إلى التصوف وهو مرادف للنسك أو للزهادة، لم يخلو منه زمان وهو قديم قدم الحياة ولم يخلو منه قطر من الأقطار أو أمة من الأمم.
ففي زمن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم جرت حادثة كشفت عن أولى خلايا التصوف – إن صح التعبير – حيث نزلت بحقهم الآية المباركة (يا آيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم ) (الآية 87-89 المائدة). فقد روي أنها نزلت في حق علي بن أبى طالب وبلال وعثمان بن مظعون، اذ اتفق هؤلاء على اولى حلقات التصوف وطرقه، فقد حلف أمير المؤمنين ان لا ينام الليل ابدا، بل يقضيه بالعبادة والتفرغ الى اللله تعالى. وحلف بلال ان لا يفطر النهار ابدا، بأن يصوم الدهر. وحلف عثمان ان لا ينكح ابدا بأن هجر زوجته هجران مضجع وحرم على نفسه الزواج رهبانية في الله. فما كان الا ان شكت امرأة عثمان ذلك إلى رسول الله، وحدثته بالخبر. فنادى الصلاة جامعة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال أقوام يحرمون على أنفسهم الطيبات. ألا اني أنام بالليل وأنكح وافطر بالنهار، فمن رغب عن سنتي فليس مني.
وبذلك فكك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لوى خلايا التصوف معلنا صادحا باغلاق الباب امام هذا النوع والطريقة من العبادة، اذ ان بمقدور المؤمن ان يكون مع الله سبحانه متفانيا غير متوان في طاعته ولا مقصرا في حبه له وعبادته دون ان تكون امور الحياة ومتطلباته سببا حاجبا عن الله تعالى بل يكون مكملا وجزء من العبادة ومساعدا عليها.
مؤسس التصوف
إن التصوف يعزى وينسب إلى أمير المؤمنين الإمام علي بن أبى طالب عليه السلام، دون أن يتخذه مذهبا وطريقا يدعو إليه، بيد أ المتصوفة رأت فيه نموذجها الحقيقي للمتصوف، حيث كانت حياة أمير المؤمنين مثالا وغاية في الزهد، والتواضع، والتقشف، والقرب من الله، وليس ذلك من قلة، أو ضيق ذات اليد ، إنما زهدا، وعفة، وغنى نفس، وقناعة، ولمعرفته التامة وانكشاف امر الدنيا على عينيه وانها لا محالة زائلة وان في حلالها حساب وفي حرامها عقاب وان في متشابهها عتاب فآثر منها القليل واكتفي بما يسد الأود ويشد العضد، ولم يشبع منها قط ترفعا وتعففا.
فهو القائل يا دنيا طلقتك ثلاث، ويا دنيا غري غيري، ولألفيتم دنياكم هذه عندي أزهد عندي من عفطة عنز. دنياكم هذه لا تسواي عندي شسع نعل، أو عفطة عنز إلا أن أقيم حدا . فهو بنظرهم الصوفي الأول.
أول ما ورد لفظ صوفي وجاء على السنة واقلام الكتاب كان في القرن الثاني الهجري، اذ أطلق أول ما أطلق على جابر بن حيان الكيميائي الكوفي المعروف الشيعي المذهب وتلميذ الامام جعفر الصادق عليه السلام، حيث كان من الزهاد، توفي سنة 253ﻫ.
وأيضا من أول ما ورد استعمال كلمة صوفي بالمفرد وصوفية بالجمع في النصف من القرن الثاني الهجري في خبر فتنة حدثت في الإسكندرية سنة 199ﻫ.
وكذلك ذكر الجاحظ، توفي سنة 255 ﻫ. عن فرقة تكاد تكون شيعية نشأت في الكوفة وكان آخر أئمتها عبدك الصوفي. عاش حوالي سنة 210ﻫ. وقضى حياته بالزهد وكان نباتيا لا يأكل اللحم، وهو ثاني من لقب بالصوفي بعد جابر بن حيان.
ويعد اثنان من صحابة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من السابقين إلى التصوف وهما أبو ذر الغفاري و حذيفة بن اليمان وذلك حسب المعايير الصوفية، ولابي ذر رضوان الله عليه مآثر في الزهد والالتزام والجهر به.
وكما ان الصوفية تؤمن بان للمرأة حظا غير منقوص في تشييد هذا الهيكل العظيم، فقد لمعت أسماء جماعة من النساء المتصوفات، كما الرجال، منهن ام الدرداء، ومعاذة العدوية، ورابعة القيسية، ورابعة العدوية التي بلغت منزلة الإمامة ( إمام العاشقين والمحزونين في الإسلام ).
التصوف لم تستقر له عقيدة ومبدأ ثابتين، وليس طريقة واحدة، حيث كان في تطور مستمر، والسبب في ذلك يعود إلى إدخال عناصر جديدة إلى العقيدة والعمل بها من قبل بعض المتصوفة التي بدأت تأخذ فيما بعد أشكالا جديدة وأدت إلى بروز فرق جديدة تعددت تسمياتها. وفيما بعد يعزى كثرة المذاهب الصوفية إلى انتشار التصوف في البلاد ودخول عناصر جديدة لقوميات وأصحاب ديانات أخرى، رفدته بافكار وتصرفات وسلوكيات ما كانت معهودة من قبل، اذ انها خلطت مابين سلوكيات الزاهد والنساك المسيحيين وغيرهم فاستحسنت حركات وتمتمات فكانت تنفع في التصوف كطريقة وتعبر عنه باعتقادهم.
وإن كثرة الدعاة الصوفية المتأثرين بالفلسفات اليونانية القديمة، ولا سيما آراء أفلاطون.
أو أصحاب الطرق فكل شيخ أو مريد أو صوفي على اختلاف التسميات كان يختط لنفسه طريقة أو شطحة مغايرة لشيخه ويمتاز بها وينفرد بها عنه، ويتبعه عليها آخرين، ويخرج أيضا من بين مريديه من يشذ عنه بفارق ما، وفلسفة ما، موغلة في التصوف مغرقة فيه ويلحقه من يلحق، ثم يعرفون باسم جديد، وتكررت هذه الحالة كثيرا، وهي مازالت مستمرة.
وهكذا نرى أن التصوف بدأ شكلا بسيطا من أشكال العبادة والانقطاع إلى الله، قوامه ترك الدنيا وشهواتها، والتعلق بها، والهيام والغرام بالله والذوبان فيه، وآات الى عقائد غريبة عجيبة، بعيدة كل البعد عن جوهر الاسلام المدعى لها دين وهيك ومصدر ومنهاج، الى حالة هي للكفر الصريح اقرب، حيث أدت بمفهومها الخاطئ إلى _ وخاصة في حقيقة الذوبان مع الله _ أدت إلى أن يقول بعض الصوفية سبحاني ما أعلى شأني.
ودخل في التعاليم الصوفية على مر القرون والسنين ركام هائل من العقائد والمصطلحات والتفاسير والظواهر والبواطن حتى باتت لا تدرك أبدا. دخلت إلى الصوفية في بداية القرن الثالث الهجري مصطلحات جديدة مثل: العشق، المحبة، العرفان، المعرفة، البقاء، الفناء، وأمثالها مضافا إلى المفاهيم السابقة أمثال: الزهد، التعبد، وطلب النجاة الأخروية.
اتفق أهل التصوف على كتمان الأسرار الصوفية أسرار الحق عن غير أهلها، ويحكي أن سبب صلب الحلاج هو إباحته للسر.
تأثر الصوفية بأفلاطون وهو القائل بوحدة الوجود: الحقيقة واحدة ومنشأ الوجود هو تلك الحقيقة الواحدة، والوجود المطلق منه، وما بقي ظاهر. وحيث يطلق أفلاطون على الله تسميات شتى ويخطئ كل تعبير ووصف له، ويقول: لا يمكن القول بان نسمي الله الوجود، وهو أعلى منه ، فلذلك لابد من التوسل بالإشراق والشهود والسير المعنوي لان الحس والعقل لا يكفيان لطي هذا الطريق.
ويقولون إن أساس مذهب أهل الحق هو السعي للوصول إلى الحق والى الله.
وللوصول إلى ذلك يجب ان يجتاز السالك مراحل لتحقيق هذا الهدف.
وهذه المراحل هي: مرحلة الشريعة وتعني أداء الواجبات والطقوس الدينية الظاهرية. مرحلة الطريقة، وتعني التقاليد العرفانية. مرحلة المعرفة، وتعني مرحلة معرفة الله.
مرحلة الحقيقة، وتعني الوصول إلى الله.
قال الغزالي: أن للإيمان ثلاث مراتب.
المرتبة الأولى: إيمان العوام وهو إيمان التقليد المحض.
المرتبة الثانية : إيمان المتكلمين وهو ممزوج بنوع استدلال ودرجته قريبة من درجة. العوام المرتبة الثالثة: إيمان العارفين وهو المشاهد بنور اليقين.
أهل الحقيقة أو أهل الحق كما أطلقوا التسمية تلك على أنفسهم في مقابل أهل السنة.
ويقولون إن الحقيقة آخر شيء يتصور إدراك إمكانه. وان حقيقة الحقائق اصطلاح يراد منه الذات الإلهية، وأحيانا يعبر عنه بحضرة الجمع أو حضرة الوجود.
تاثرت الصوفية فيما بعد بالصوفية او الرهبنة المسيحية وكذلك تاثرت بتعاليم من الديانتين المانوية والبوذية فاكسبوهم الكثير من العادات والآراء.
فمن فكرة بسيطة للعبادة والتقرب إلى الله تطورت إلى آلية عبادية معقدة ، ومنظومة فكرية، وفلسفة خاصة لا تنتهي، وحقيقة لا يمكن إدراك قعرها، وسلسلة من الرتب والمراتب التي لا تنقطع، وأسرار لا تكشف أو تكتشف، وتفسيرات وتأويلات، وتخرصات، هي وليدة لذهاب عقول فيها فيما ذهبت اليه أثناء التجوال في فهم مقاصدها تخرج على أفواه عارفيها ومعتنقيها من تمتمات غالبا ما تكون أشبه بالهذيان ولهم فيها فهمهم الخاص والتفسير المناسب مما سمعوا، وجماعات، لكل جماعة اصطلاحها الخاص بها والمعروف من قبلها وتدمغ به.
فان التصوف ليس علما يدرس أو ان له كتبا خاصة تقرا ولم يحرص المتصوفة على ذلك من دراسة ما صنفه المصنفون وبحث عن الأدلة والأقاويل. بل قالوا ان الطريق إلى تحصيل تلك الدرجة بتقديم المجاهدة ومحو الصفات المذمومة، وقطع العلائق كلها والإقبال بكنه الهمة على الله ... فطريقه تطهير محض وتصفية وجلاء ومحاسبة نفس ثم استعداد وانتظار للتجلي.
ومن هنا نرى التغاير أو التكاثر في تعريف التصوف والوقوف على حقيقته فقد كان لكل من العلماء الذين تناولوا التصوف والصوفية تحديد لمفهومه مختلف عن الآخر. الا ان هناك قاسم مشترك بين الجميع يطبعها بطابعها العام.

No comments:

Post a Comment