Thursday, March 25, 2010

حلقة حوار

رجال دين ومدنيون عالجوا في الجامعة اليسوعية "تحديات التعليم الديني في لبنان"
مقاربات مذهبية بين أبناء الصف الواحد
ودعوة الى اكتشاف الآخر وتفادي شرّ العولمة

من المؤسف ان تتشابه لغة معظم رجال الدين المسلمين والمسيحيين وممثلي الجمعيات الدينية النافذة في بلدنا الذين شاركوا في ندوة "تحديات التعليم الديني في لبنان" التي نظمها اول من امس معهد الدراسات الاسلامية والمسيحية في جامعة القديس يوسف، مع ابجدية سياسيي الصف الأول في لبنان. فقد بدا واضحاً ان معظم من تحدثوا في الندوة لم يختلفوا كثيراً عن الحوار القائم بين قياديي "الباب الاول" في ساحة النجمة. وعلى الرغم من ان مفتي بنت جبيل السيد مهدي الأمين طرح مشروعاً رائداً "يقضي بصياغة منهج ديني تعليمي مشترك لأبنائنا يعرفهم بعضهم على بعض"، فإن الجو العام في الندوة وخارجها لا يبشر خيراً في تنفيذ أي خطوة لإعداد كتاب ديني موحد في بلد طائفي مثل لبنان. من جهة اخرى، لم نخف استغرابنا كلام خضر الموسوي من جمعية التعليم الديني الاسلامي الذي اعتبر ان احد تحديات التعليم الديني في لبنان "الاختلاط بين الجنسين في المدارس، وخصوصاً في المرحلتين المتوسطة والثانوية والتأثير السلبي في الناحيتين المعرفية والسلوكية عند التلامذة".
اما وقائع الندوة التي شارك فيها الى رجال دين مسيحيين ومسلمين وممثلي جمعيات دينية واكاديميين ملمين بالموضوع. فقد افتتحت بكلمة لرئيس المعهد الأب صلاح ابو جودة الذي شدد على أهمية اللقاء الذي يقام لمناسبة صدور كتاب "التربية على العيش المشترك من خلال التعليم الديني" الذي أعدته الدكتورة نزهة عقل من المعهد والصادر عن "دار المشرق". وقدم أبو جودة برنامج المعهد الذي "بدأ منذ عامين ببرنامج تنشئة على الحوار، موجه في الدرجة الأولى الى مدرّسي الدين المسيحيين والمسلمين".

مقاربات دينية و... علمانية

تقديم من الدكتورة نزهة عقل، وتحدث في الجلسة الأولى كل من الأمين العام السابق للجنة المدارس الانجيلية في لبنان القس عيسى دياب والزميل في جريدة "السفير" زهير هواري والشيخ غسان حلبي من مؤسسة العرفان التوحيدية وخضر الموسوي من جمعية التعليم الديني الاسلامي ومدير المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبده ابو كسم. قدم دياب مداخلة حملت عنوان "نحو تعليم ديني عولمي" عن "الأقليات الدينية، والحضارية والثقافية المهددة بالانقراض، لأن عالم العولمة متجه بسرعة فائقة الى العالم الآحادي". واعتبر ان "الشعوب الفقيرة التي لن تستطيع مواكبة العولمة، مهددة بالقهر والظلم مهما كانت كبيرة. والحريات الفردية مهددة بالزوال.
"وبعدما أكد ان الحال اللبنانية المشرقية ايضاً والاسلام أمام تحديات كبيرة، دعا دياب الى إعداد تعليم ديني عولمي من خلال عناصر عدة، منها تعليم تاريخ الأديان والديانات الأخرى والتوقف عند العناصر المشتركة بين الديانات وتعليم الحريات العامة والفردية وحقوق الإنسان وحق الاختيار".
أما هواري فوضع لمداخلته عنواناً يسأل فيه عما إذا كانت ثقافة الأديان ام ثقافة الطوائف والمذاهب. ولم يلقَ كلام هواري الذي يعتنق العلمانية في حياته ترحيباً من بعض الرهبان والراهبات المشاركين في الحضور، ولا سيما عندما أكد "ان المعلومات والوقائع تؤكد ان مادة التعليم الديني تحولت مادة للتعليم المذهبي". وتابع هواري في كلام أخذ ورد مع الجمهور فقال: "إذا انتقلنا الى القطاع العام نجد "الحل" المعتمد في المدارس المختلطة بإخراج التلامذة المسيحيين عندما يأتي الشيخ، والمسلمين عندما يحضر الكاهن. يفترض هنا ان رجل الدين هو من طائفة لا تتماثل مع كثير من التلامذة داخل الدين، وبذلك يتم تلقين الارثوذكسي مثلاً مادة الدين كما هي عند الموارنة او الكاثوليك او... وينطبق الأمر عند الشيعة والسنة والدروز والعلويين.
"بدوره، تناول الحلبي في مداخلته بعنوان "مكان الحصة وروحها" أهمية طرح مرجعية روحية او مساحة جغرافية لإعطاء الحصة الدينية، معتبراً ان "الحصة الكاملة وضعت اصلاً وسط غرفة مرايا "المعارف العمومية"، وذلك يفرض حتماً ان لا ينظر إليها بمفهوم العقائدي الاحادي لا من حيث بناء الشخصية التربوية، ولا من حيث بناء المواطن في مجتمع متعدد بإمتياز كالمجتمع اللبناني. "كما رأى ايضاً انه ما لم تقوَ الرعية بالحق الذي يحررها، فإنها تقع فريسة العصبية الطائفية لظواهر الهرج الشعبي، وصولاً الى النزاعات الدموية".
من جانبه، إرتجل الموسوي كلمة عرض فيها تحديات التعليم الديني في لبنان من نظرته الخاصة، ومنها تأثير النظام الطائفي بعدما رأى ان وسائل الإعلام عموماً، والمرئية خصوصاً تشكل تحدياً ثانياً للتعليم الديني في لبنان، توقف الموسوي عند النظام التربوي الذي يراه هجيناً ومترهلاً ومتخلفاً، رغم المنهجية الحديثة التي بدأت منذ عشرة اعوام تقريباً. ورأى ان المناهج لم تحسب الحساب السليم لأهمية التربية الدينية، معتبراً أنها لم تأخذ في الاعتبار حصة ثانية او اكثر للتعليم الديني، فضلاً عن إعداد المعلمين.
ختاماً، ألقى أبو كسم مداخلة بعنوان "واقع التعليم الديني ودور الاعلام" عدد فيها دور التعليم المسيحي في تهذيب الشباب، فضلا عن دور الاهل في توجيه اولادهم نحو تعاليم المسيح، وبعدما شدد على اهمية تطوير وسائل التعليم المسيحي، رأى ان التعليم المسيحي اكتسب في بعض الحالات صفة العرض والطلب وفقد طابعه المجاني كما كان في السابق"، مبديا خوفه ان يصبح هذا التعليم مادة لكسب العيش".

مبادئ روحية وعملية

وكان مضمون الجلسة الثانية عمليا اكثر من الجلسة الاولى، لان عضو مجلس الاختصاصيين في المجلس التربوي للبحوث والانماء نبيل قسطنطين طرح فيها الاسباب التي تعوق اطلاق كتاب تعليم ديني صادر عن المركز. ورأى ان الصراع على السلطة ما بين المسلمين والمسيحيين ورغبة الواحد في قمع الآخر تمنع عملية اعداد هذا الكتاب. وعرض قسطنطين اقتراحا يدرسه المركز ويقضي بوضع مادة تعرف بمادة الثقافة الدينية يتعرف فيها الانسان على الاخر.
وتحدث في الجلسة الثانية المسؤول عن مكتب التربية المسيحية في مطرانية بيروت للروم الارثوذكس الاب غابي كرم، والمفتي السيد مهدي الامين، والاستاذ المحاضر في المادة في جامعات عدة، منها معهد الدراسات الاسلامية والمسيحية في جامعة القديس يوسف الدكتور محمد منير سعد الدين وعضو الامانة العامة للجنة التعليم المسيحي الاب حنا داغر.
بداية، حملت مداخلة كرم عنوان "التعليم الديني والحداثة" واكد فيها ان "الحداثة والتعليم هما المحافظة على ما تسلمت بأمانة وجدية، في العالم الذي ارسلت لأكون سفيرا فيه، اي ناقلا رسالة من موطني الاصلي من السماء. "ولم يتردد كرم في اعتبار عولمة اليوم "تمحو الواقع الحقيقي وتخلق واقعا افتراضيا، الاول يحاكي العقل والقلب، والثاني يلامس الحواس. "اضاف: ان العولمة تستغل ثورة الجسد، لتستبعده وحواسه في عالم تفترضه واقعا وتفرض على شبابنا ومجتمعنا كما على باقي المجتمعات".
بدوره، اعتبر السيد مهدي الامين في مداخلته عن "التعليم الديني ضرورة وحاجة" ان "الانقسام الحاصل اليوم في لبنان بين اللبنانيين انقسام ديني بحت، مهما تعددت التسميات السياسية"، داعيا الجميع الى بحث الموضوع وتشريحه على الطاولة، لتحديد المسؤوليات والخروج بنتيجة، اما تبرئة واما ادانة". وخلص الى القول من هنا يكتسب التعليم الديني، والثقافة الدينية المتنوعة اهمية على مستوى وجوب تعميمها والزامها على الجميع". ودعا الى اعتماد العلم الذي به "نردم الهوة القائمة ما بين الاديان والمذاهب".
من جهته، شرح سعد الدين "دور المدرسة في التربية على الحوار والتسامح والعيش المشترك" معتبرا ان معلم التربية الدينية يجب ان يتدرب" على مفاهيم الحوار والتسامح والعيش المشترك، وحسن خطاب الاخر وحل الاشكالات الناجمة عن تحقيقها. "كما عدد ايضا جملة خطوات توافقية ما بين الاديان، منها "تشجيع اختلاط ابناء الديانات في المدارس مسيحيين ومسلمين وقيامهم بانشطة تعرفهم بالدين الآخر.
"ختاما، عرض داغر رؤية اللجنة المشتركة للتعليم الديني ودور الدولة والطوائف فيها مشددا على ضرورة توجيه التعليم الديني.
ثم اعطى الامين العام للجنة الاسقفية للتعليم المسيحي في لبنان الأخ ايلدوفونس خوري واستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية الدكتور انور ابي خزام رأيهما في واقع التعليم الديني في لبنان.
كتبت روزيت فاضل

No comments:

Post a Comment