القيت هذه المداخلة لسماحة المفتي السيد مهدي الامين في الجامعة اليسوعية كلية الدراسات الاسلامية المسيحية.
بسم الله الرحمن الرحيم
الازمة ايها السادة اولا ليست ازمة كتاب دين، انما تكمن الازمة بحسب رأيي في عدم فهمنا للدين الي نحمل ماهو؟
لا بد من تعريف الدين اولا والاتفاق على مفهومه لكي نستطيع ان نضع له كتابا موحدا يعرف الاجيال به ونقطع به نزاعهم من الان.
فالدين في حقيقته المطلقة انه التشريع الالهي الذي ينظم (اولا) العلاقة بين الناس فيما بينهم افرادا وأمما ثم (ثانيا ) ينظم هذه العلاقة ويربطها مع الله .
بينما السائد المتعارف ان الدين هو مجموعة طقوس عبادية من صلاة وصوم وحج وتقديس واقامة شعائر وصلوات وزياح وتقديم قرابين واضحيات ...من ناحية.
ومن ناحية اخرى سلطة بيد رجال الدين يتفوقون بها على الاعم الاغلب من الناس البسطاء غالبا ، فلذلك نرى ان هناك جمهورين في نفس الشريحة الدينية من اي مجتمع ، جمهور المؤمنين القليل وجمهور اللامؤنين وهو الاكثر ، لا هؤلاء يزدادون ولا اؤلئك ينقصون.
الدين كمعتقد يطبق يضفي على حامله صفات كمالية ترقى به في المجتمع، وتجعل منه انسانا اكثر كمالا في الانسانية من غيره . او بعبارة اخرى التدين ينأى بصاحبه عن كثير من صغائر الامور ناهيك عن كبائرها وسفاسف الحياة وسلوكايت السواد الاعظم من الناس في ممارساتهم اللادينية وعدم تورعهم عن ارتكاب اي شئ دون الجريمة العامة ، او ان شئتم عدم تورعهم عن ممارسة ما يعتقدونه انه الحرية الشخصية التي انجبها التطور حين تزوج الحضارة المزعومة .
ان فهمنا للدين واعتناقنا اياه كعقيدة ومبدا وطريقة عيش انما انطلق من ان العبادات اذا لم تحدث تأثيرا وتغيرا نحو الاحسن والافضل دائما في مجمل سلوكيات الفرد والجماعة والامم ، ما هي الا دجل وتعصب اعمى لا قيمة لها ، وان هنالك خلل كبير ،بين المدعى والمنطوق والمفهوم والتطبيق .
وعليه ....
ان تدريس كتاب التربية الوطنية والتنشئة المدنية للاجيال لاجل اخذ العلم فحسب هو عبث لا طائل منه ، بدلا من كتاب تدريس كتاب في التربية الدينية.
وينطبق الحال على تدريس كتاب تربية دينية موحد لمجرد اخذ العلم.
في القرآن الكريم وكما في كل الشرائع، ان الصلاة تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر.
فاذا لم تتفجر الصلاة ينبوعا دافقا وتتحول حبا للآخرين واحتراما لخصوصياتهم. فهي لغو ومضيعة للوقت وللعمر فيما بعد، ودجل صريح على العباد ورب العباد.
اذا لم يتحول الحج الى الله والقصد حبا لجميع الناس وغيرةً على مصالحهم فهو عبث ...
اذا لم يتحول ادعائي محبة الله والهيام والذوبان فيه الى حب لجميع مخلوقاته وليس خلقه فحسب فهو ايضا دجلا وليست محبة لله، حيث ورد في الدعاء (اللهم اجعلني ممن احبك في جميع خلقك ) ( والخلق عيال الله احبكم لله احبكم لعياله ) . ولا يتجلى حب اله، برسائل الغرام اليه او بمظاهر كذابة خداعة. وتسقط هنا مقولة الفصل بين الدين والسياسة ، فالسياسة هنا تعني مجموع افعال الناس من غير الصلاة والصوم واما الدين يعني الاستقامة في كل شئ فيدخل بذلك في اصغر تفاصيل الامور اليومية التي نعيشها فهو بالتالي سياسة.
فاذا لم تتحول مجموع العبادات المحضة الى صدق واستقامة وامانة وسلوك حسن ووعود صادقة واحترام للقانون والمجتمع والدفاع عن المظلومين ونصرة الضعفاء ومساعدة الفقراء والمساكين ومواساتهم وغيرها ...ليس بدين، وليست بسياسة، وبئس رجالها المدعون.
ليس الدين علاقة محض شخصية ومغلقة احيانا كثيرة بين العبد وبين ربه لا دخل لاحد فيه ولا تعني الا المتعبد نفسه.
ان الله الواحد الاحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ذو الطبيعة الواحدة، او الطبيعتين، او الثلاث، متحدين ومنفردين، سواء اكان متجسدا، او حالاً في احد، او متقمصا احد، او اقنوما اواقانيم ثلاثة.
انه ذات الله الرب الواحد لنا جميعا، فلو كانوا آلهةً لتقاتلوا ولتصارعوا ولسقطت على رؤوسنا حجارتهم ولأنالنا النصيب الاكبر من عصيّهم انتقاما، كل اله ينتقم من عبيد الاله الاخر.
ايها السادة انه نفس الاله ونعم الرب الرؤوف الرحيم اللطيف بعباد يريد لنا الخير كل الخير طبيعته الرحمة والمغفرة والمحبة واللطف يريد لنا ان نتحلى بكل الفضائل التي هي عين ذاته والتي تقرها الشرائع الوضعية ناهيك عن شرع السماء.
هذا ما يمكن ان يكون قاسما مشتركا يجمعنا ومنطلقا لنا جميعا ونقطة ارتكاز واساس لانطلاقة كتاب واحد موحد، أو لكل كتابه إيمانا بهذه المسلمات، وانطلاقا منها كأسس وركائز صالحة.
ان نعيش اخوانا في الانسانية متحابين جنب الى جنب يرعانا حسن الجوار واحترام الاخر، تجمعنا القيم الاخلاقية وتهمنا مصالحنا نتبادل الخبرات والتجارب.
تبقى تفاصيل خاصة بكل مذهب او دين او عقيدة، ان ازور الكعبة وتزور كنيسة المهد او تخلو الى نفسك في جبل.
ان المسيح يتحمل خطايك وان النبي والائمة يشفعوا لي .
ان تصلي راكعا واصلي ساجدا تفاصيل خاصة، والاهم منها مؤداها لا فعلها.
الدنيا لابد من ملئها بالمحبة والصدق والامان والمهم من هذا كله كرامة الانسان.
فالدين يهتم بصناعة الانسان الانسان.
2004
بسم الله الرحمن الرحيم
الازمة ايها السادة اولا ليست ازمة كتاب دين، انما تكمن الازمة بحسب رأيي في عدم فهمنا للدين الي نحمل ماهو؟
لا بد من تعريف الدين اولا والاتفاق على مفهومه لكي نستطيع ان نضع له كتابا موحدا يعرف الاجيال به ونقطع به نزاعهم من الان.
فالدين في حقيقته المطلقة انه التشريع الالهي الذي ينظم (اولا) العلاقة بين الناس فيما بينهم افرادا وأمما ثم (ثانيا ) ينظم هذه العلاقة ويربطها مع الله .
بينما السائد المتعارف ان الدين هو مجموعة طقوس عبادية من صلاة وصوم وحج وتقديس واقامة شعائر وصلوات وزياح وتقديم قرابين واضحيات ...من ناحية.
ومن ناحية اخرى سلطة بيد رجال الدين يتفوقون بها على الاعم الاغلب من الناس البسطاء غالبا ، فلذلك نرى ان هناك جمهورين في نفس الشريحة الدينية من اي مجتمع ، جمهور المؤمنين القليل وجمهور اللامؤنين وهو الاكثر ، لا هؤلاء يزدادون ولا اؤلئك ينقصون.
الدين كمعتقد يطبق يضفي على حامله صفات كمالية ترقى به في المجتمع، وتجعل منه انسانا اكثر كمالا في الانسانية من غيره . او بعبارة اخرى التدين ينأى بصاحبه عن كثير من صغائر الامور ناهيك عن كبائرها وسفاسف الحياة وسلوكايت السواد الاعظم من الناس في ممارساتهم اللادينية وعدم تورعهم عن ارتكاب اي شئ دون الجريمة العامة ، او ان شئتم عدم تورعهم عن ممارسة ما يعتقدونه انه الحرية الشخصية التي انجبها التطور حين تزوج الحضارة المزعومة .
ان فهمنا للدين واعتناقنا اياه كعقيدة ومبدا وطريقة عيش انما انطلق من ان العبادات اذا لم تحدث تأثيرا وتغيرا نحو الاحسن والافضل دائما في مجمل سلوكيات الفرد والجماعة والامم ، ما هي الا دجل وتعصب اعمى لا قيمة لها ، وان هنالك خلل كبير ،بين المدعى والمنطوق والمفهوم والتطبيق .
وعليه ....
ان تدريس كتاب التربية الوطنية والتنشئة المدنية للاجيال لاجل اخذ العلم فحسب هو عبث لا طائل منه ، بدلا من كتاب تدريس كتاب في التربية الدينية.
وينطبق الحال على تدريس كتاب تربية دينية موحد لمجرد اخذ العلم.
في القرآن الكريم وكما في كل الشرائع، ان الصلاة تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر.
فاذا لم تتفجر الصلاة ينبوعا دافقا وتتحول حبا للآخرين واحتراما لخصوصياتهم. فهي لغو ومضيعة للوقت وللعمر فيما بعد، ودجل صريح على العباد ورب العباد.
اذا لم يتحول الحج الى الله والقصد حبا لجميع الناس وغيرةً على مصالحهم فهو عبث ...
اذا لم يتحول ادعائي محبة الله والهيام والذوبان فيه الى حب لجميع مخلوقاته وليس خلقه فحسب فهو ايضا دجلا وليست محبة لله، حيث ورد في الدعاء (اللهم اجعلني ممن احبك في جميع خلقك ) ( والخلق عيال الله احبكم لله احبكم لعياله ) . ولا يتجلى حب اله، برسائل الغرام اليه او بمظاهر كذابة خداعة. وتسقط هنا مقولة الفصل بين الدين والسياسة ، فالسياسة هنا تعني مجموع افعال الناس من غير الصلاة والصوم واما الدين يعني الاستقامة في كل شئ فيدخل بذلك في اصغر تفاصيل الامور اليومية التي نعيشها فهو بالتالي سياسة.
فاذا لم تتحول مجموع العبادات المحضة الى صدق واستقامة وامانة وسلوك حسن ووعود صادقة واحترام للقانون والمجتمع والدفاع عن المظلومين ونصرة الضعفاء ومساعدة الفقراء والمساكين ومواساتهم وغيرها ...ليس بدين، وليست بسياسة، وبئس رجالها المدعون.
ليس الدين علاقة محض شخصية ومغلقة احيانا كثيرة بين العبد وبين ربه لا دخل لاحد فيه ولا تعني الا المتعبد نفسه.
ان الله الواحد الاحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ذو الطبيعة الواحدة، او الطبيعتين، او الثلاث، متحدين ومنفردين، سواء اكان متجسدا، او حالاً في احد، او متقمصا احد، او اقنوما اواقانيم ثلاثة.
انه ذات الله الرب الواحد لنا جميعا، فلو كانوا آلهةً لتقاتلوا ولتصارعوا ولسقطت على رؤوسنا حجارتهم ولأنالنا النصيب الاكبر من عصيّهم انتقاما، كل اله ينتقم من عبيد الاله الاخر.
ايها السادة انه نفس الاله ونعم الرب الرؤوف الرحيم اللطيف بعباد يريد لنا الخير كل الخير طبيعته الرحمة والمغفرة والمحبة واللطف يريد لنا ان نتحلى بكل الفضائل التي هي عين ذاته والتي تقرها الشرائع الوضعية ناهيك عن شرع السماء.
هذا ما يمكن ان يكون قاسما مشتركا يجمعنا ومنطلقا لنا جميعا ونقطة ارتكاز واساس لانطلاقة كتاب واحد موحد، أو لكل كتابه إيمانا بهذه المسلمات، وانطلاقا منها كأسس وركائز صالحة.
ان نعيش اخوانا في الانسانية متحابين جنب الى جنب يرعانا حسن الجوار واحترام الاخر، تجمعنا القيم الاخلاقية وتهمنا مصالحنا نتبادل الخبرات والتجارب.
تبقى تفاصيل خاصة بكل مذهب او دين او عقيدة، ان ازور الكعبة وتزور كنيسة المهد او تخلو الى نفسك في جبل.
ان المسيح يتحمل خطايك وان النبي والائمة يشفعوا لي .
ان تصلي راكعا واصلي ساجدا تفاصيل خاصة، والاهم منها مؤداها لا فعلها.
الدنيا لابد من ملئها بالمحبة والصدق والامان والمهم من هذا كله كرامة الانسان.
فالدين يهتم بصناعة الانسان الانسان.
2004
No comments:
Post a Comment