Thursday, March 25, 2010

التعليم الديني حاجة وضرورة

بسم الله الرحمن الرحيم

التعليم الديني حاجة وضرورة

لماذا ؟
يبقى الدين المحور المركزي الذي تدور حوله دنيانا أوإن شئتم الدنيا برمتها شئنا أم أبى من أبى.

فهو محور لكل الاحداث الكبرى في العالم قديما وحديثا.
فباسم الدين خيضت أعنف الحروب وارتكبت افضع المجازر.
وباسم الدين قامت ثورات وحملت ألوية التطهير.
وباسم الدين انقسم العالم إلى اديان وملل ونحل وشراذم متقاتلة متناحرة.
وباسم الدين والتمييز الديني احتلت فلسطين دولة لليهود وانتجت السامية واللاسامية.
ففي اوروبا مثلا قامت افظع الحروب الدينية التي اثمرت الانظمة العلمانية اليوم التي حمّلت الدين المسؤولية عما حصل. ونادى من نادى بفصل الدين عن الدولة ، وطالبوا بعدم تدخل رجال الدين في السياسة وراجت مقولة ما ان ما لله لله وما لقيصر لقيصر.
وقام في القرن الماضي الاتحاد السوفياتي دولة تدين الدين وتنسب اليه انه افيون الشعوب وتتنصل منه عدوا.
وحديثا حروب اثنية قامت على اساس ديني محض، البوسنة والهرسك، صربيا، ايرلندا وبريطانيا، وفي افريقيا وثنية متحاربة تفني بعضها بعضا منطلقة من اصل ديني، وفي العالم العربي قديما وحديثا، من افغانستان وايران والعراق. حتى فلسطين احتلت من منطلق توراتي مزعوم، إلى غيرها من الشواهد التي لا تعد ولا تحصي، فان احصيت كانت جلها حروب ونزاعات منطلقها عصبية دينية.
إلى لبنان أصل. وهو محل الشاهد، وبيت القصيد، الذي شهد قبل ولادة لبنان الكبير صراعات بين ابناءه على اساس ديني، إلى ما يجري اليوم ليس بعيدا ابدا عن كونه صراع ديني.
فالانقسام الحاصل اليوم في لبنان بين اللبنانين وهذا ما يعنينا، انقسام ديني بحت، مهما تعددت التسميات السياسية، ومهما حاولنا ان نلبسه غير لبوسه.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة ويلح فيه، هل الدين فعلا هو المسؤول الحقيقي عن كل هذه الفوضى العارمة في العالم منذ قيامه إلى يومنا هذا.
ألهذا الحد الادسان دموية متعطشة للقتل وسفك الدماء وأزهاق الارواح البريئة وغيرها.
من الحرب مؤخرا على الارهاب، نزولا إلى الحروب الصليبية، إلى الفتح الاسلامي، ومرورا بهولاكو وغيرهم.
2
برغم الندوات والمحاضرات واللقاءات ومحاولات التقريب وما شاكل، مازالت هذه الهواجس تطروح نفسها بقوة. ولم تفلح برمتها مع جميع المحاولات المخلصة البريئة الجادة في نزع الخوف المتبادل.
بعض المقربين من الدينين لهم صدى شخصي لدى جماعات مغايرة من الدينين.
اذا كان الدين مسؤولا عن كل ذلك، اين اذا تكمن المشكلة، واين يكون الحل وكيف؟.
وهل فعلا يتحمل الدين المسؤولية، فاذا جاء الجواب لا..... فلما نحملة المسؤولية ظلما.
علما ان كل الاديان السماوية عامة والابراهيمية خاصة تدعو بطبيعتها إلى نبذ العنف واستعمال القهر والاستعباد، وتدعو إلى السلام جامعا بين عباد الله.
أترانا نحن حملة الدين الملومين والمقصرين واخوان الشياطين...
3
ماهو الدين ؟
الدين علم وعمل. فمعلوم ان العلم يتلقى لأجل زيادة المعرفة وزيادة الوعي والادراك وتحمل المسؤولية لدى المتعلم المتلقي، ولكي يعمل بما تلقى، وليرتب على الشئ مقتضاه الصحيح .
اما علة العلل والداء العضال هو الجهل والادعاء.
ففي العهود الماضية عندما كانت تعلو صرخات الثأر للدين وتؤلب الجموع باسمه لم يكن للعقلاء مطرح ولا مكان، ولا يأبه لهم ولايسمع لرأيهم، بل سرعان ما يرمون بالهرطقة والزندقة والكفر والمروق، ويرجمون اذا ما رفعوا صوتا عاقلا مقابل عويل الثأر المزعوم.
اما اليوم فنحن ولله الحمد في عصر نور وعلم وثقافة وحرية وأنظمة تقوم على هذا الاساس.
واصبح للعقلاء صوت مسموع وتأثير مباشر.
فانا ادعو إلى وضع الاديان جميعا على طاولة البحث والتشريح، لتحديد المسؤوليات، والخروج بنتيجة، اما تبرئة، واما ادانة.
ومن هنا يكتسب التعليم الديني، والثقافة الدينية المتنوعة اهمية على مستوى وجوب تعميمها والزامها على الجميع .
ولان الواقع اثبت ان الجهل العدو الاول، الذي يُستغل عندما ينعق ناعق لتأجيج الروح المذهبية .
فيتحرك الموروث الثقافي الديني المكتسب من التلقين الخاطئ عن المغايرين دينينا، فيثير القلق والحقد على اساس الدين، منطلقا من التعبئة الخاطئة التي قوامها الرفض للاخر على اساس الدين، فأرى المغاير لديني وحشا حينا، وعدوا متربصا حينا اخر، وكذلك اتراءى لمغايري دينيا، ونتيجة للموروث الخاطئ يسهل إحضار هذه الصورة وأشباهها.
انه الجهل المسؤول فتعالوا إلى العلم.
4
هاجس الأسلمة والتنصير والمذهبة، مازال حاضرا في خلفيات عقولنا، يشرأب برأسة متأبطا شرا كلما لاح سوء فهم في الافق، متحولا إلى اعصار مدمر.
بالعلم وحده نقمع هذا الخوف ونزيله من نفوسنا (ولو من باب اعرف عدوك)، ونردم الهوة القائمة بين الاديان والمذاهب، ونقرب من وجهات النظر، ونقاط الالتقاء الكثيرة، بعضها من بعض، لتصبح قواسم مشتركة تمنع حدوث الكارثة.
فمن السهل جدا استغلال جهل الناس بدين الاخر، للتصوير والايحاء بان دينه يستبيحني وبالعكس.
عندما نكشف ونكتشف بالكشف، ان الاديان لا تدعوا إلى ما ندعو اليه باسمها، ونتعرف بواسطة العلم على الاديان وندرك حقيقة جوهرها، سندرك اننا رفسنا نعمة كبرى، وقضت الانسانية عهودا من الخراب والخسارة بلا طائل، ولنجنب المستقبل من اهلنا امثالها.
فبنشر الوعي الديني المتعدد بين الشباب الواعي الذين هم عماد المستقبل، ليدركو ان الدين المغاير لدينهم ليس سببا ولا طريقا لإلغائهم واجتياحهم.
بل انه تنظيم رائع لتعارفهم وتقاربهم كانسان، وشركاء في هذه الهبة الربانية والنعمة الكبرى، الا وهي الحياة، التي تستحق منا التضحية، ولو بالمعرفة، وبذل الجهد في هذا المجال ولو قليلا للحفاظ عليها، انها دنيانا تستحق منا العناء لنحياها كريمة بعيدة عن التشنج والبغض والحقد والتعصب الاعمي، الذي يعمي البصر والبصيرة، وأدى ويؤدي إلى كل هذا الخراب والكم من العذاب وضياع الثروات والخسائر التي لا تعوض، وتترك ندوبا لا تمحى وتشوها لا يعقل على كل صعيد.
6
اذا كنا غير جديرين وغير قادرين على العيش المشترك، من خلال النظرة الى الاخر على انه شريك معي في الهواء والسماء والارض والمصير،فلا نلوم الدين ونبرأ انفسنا ونخفي طمعنا وجشعنا وحبنا لا ستعباد الاخر وسيادتنا عليه ووحشيتنا الغالبة على الانسنة المدعاة، ونقول الدين!!!
ان فهمنا للدين خطأ او ما أُفهمناه حوله خطأ وما نقل لنا عن بقية الاديان والمذاهب نسجته عقولا سوداء في احيان كثيرة لغايات كثيرة وخطيرة.
7
هكذا افهم ضرورة والزامية التعليم الديني كوسيلة لفهم الاخر وتعريفه بعدوه الموهوم، وكشف المستور لديه عن عقيدة الاخر، ليتبدد الشعور بالخوف والتوجس الدائم.
اني لا اغالى في طرحي هذا، وتقديمي لهذا الفهم، ولم اذهب بعيدا، ولست هنا لالقى خطابا سياسيا.
يا سادة انه الواقع، بل ان شئتم اكثر من ذلك، انها محاولة للدنو من جذور ماساة عمرها من عمر الانسان تتجدد دائما.
8
وعودا على بدء
لبنان بحاجة ماسة إلى التعليم الديني الالزامي في المدارس.
لبنان كما هو معلوم يتألف من شرائح دينية، وينقسم على هذا الاساس.
إسلام مسيحية، ثم طوائف إسلامية وطوائف مسيحية.
يتعطل الدستور ليحل محله الاصطفاف الطائفي، ونتلطى في الازمات خلف طوائفنا ونتراشق طائفيا. ونعتقد ان ذلك منطقي وطبيعي، وكل منا يراه الصواب من ناحيته.
ولذا فان الكثير من الانقسامات السياسية فيه تلاحظون انها تقوم على اساس ديني ومذهبي، وهذا يعني مبطنا رفض للاخر وعدم اندماج، عن جهل وعدم معرفة بالاخر، او عن عمد، وبالتالي اتوجس منه شرا.

9
التعليم الديني ذو شقين
الشق الاول: تعليمي بحت (تبشيري ). تعريف بالدين، والعقائد، والقيم، والمبادئ والاخلاق الانسانية التي يتضمنها الدين تؤدي إلى احترام الذات والانسان.
والشق الثاني: كشف (تعريف). لاطلاع الاخرين على حقيقة الاديان، فيكتشف ان لا علاقة لها بالوهم المزعوم سبب الخلاف، فيؤدي إلى احترام الذات والانسان.
النتيجة والمؤدى واحد.
ليست لعنه ان يكون في لبنان تسعة عشر طائفة، موزعة على ديانات ثلاث، إبراهيمية، بل انها نعمة اختصصنا بها، وأتمنا عليها، ولكن قد يحول الجهل هذه النعمة إلى لعنة حقيقية ونارا تكوى الجميع كل ردح من الزمن.
وما كلامي هذا واستحضاراتي تلك الا للتأكيد على ان التعليم الديني في لبنان في مدارسه كافة حاجة ضرورية وليست اختيارا.
اذ ليس العلم للعلامات، ولا وسيلة للارتزاق. وللعلم فقط، انه في شرعنا الاسلامي لا يجوز اخذ الاجرة على التعليم الديني، وعنيت بالتعليم الديني علم الحياة.
10
ففي اسلامنا العزيز نؤمن بان الجهل عدو الانسان الاول، فمنذ اشراقة الاسلام قام على ثابة كبرى الا وهي المعرفة، وكانت اولى كلمات الوحي من الله إلى نبينا محمد صلوات الله عليه وآله بواسطة جبرائيل عليه السلام " إقرأ ".
وإقرأ هذه لم يعط معها جريدة او مقال، بل إقرأ تامل من حولك، وتدبر، وتفكر في كل الموجودات والمخلوقات.
وانه لا تجوز العبادة بالتقليد الاعمى، بل بالعلم والمعرفة، فقد زودنا عقولا ناضجة راجحة، ولا بد ان تستعمل للوصول إلى الكمال، ولا يوجد الكمال الا حيث المعرفة.
جاء القران الكريم وقد شحن علما وقصصا ونصحا. من قصص الماضين الغابرين، ومن انباء انبياء سابقين، وذلك لأخذ الحكمة والعبرة والمعرفة. ووضع اسس التعاون والتعارف وتسيير شؤون الحياة مع كل اولئك الناس الذين ستختلف معهم في الدين والعقيدة وبعض المسلمات والامور. فعلّم الله نبيّه الاكرم الطرق الدبلوماسية واستخراج القواسم المشتركة لكيفية التعاطي والتعامل مع الكفار، واهل الديانات السابقة، من يهود، ومسيحين، ومجوس، وغيرهم من اهل الارض، وخط الوحي سلوكا ناضجا للسير بهذه الحياة جميعا، والقيام باعبائها.
ان سبب دمار الكثير من الأمم والقرون الماضية التى حدّث عنها القرآن الكريم هو الجهل، وعدم وجود رادع اخلاقي من دين.
فقد بعث الاسلام ليتمم مكارم الاخلاق، هذه هي الحقيقة وما عدا ذلك تجني.
لست هنا في مقام الدعاية، بل لأصحح مفهوما، وفكرة خاطئة عن الدين.
الدين استقامة وليس تطرفا.
11
فالدين من مختصات البشر، الا انه من ابداعات السماء.
والسماء لا تمطر حجارة ولعنة، بل تنزل ماء زلالا، ورحمة.
فتعالوا نحن لا نشوه أدياننا فينفر الناس منها ومنا.
مافيات دينية وطائفية تعيش وتقتات من إلهاب وتأجيج مشاعر مؤمنيها حتى تستمر وتبقى، ولكن الاصل ليس هذا. الاصل المحبة ، والتعارف، والتعاون، والعلاقة الجيدة على خدمة العباد.
بالمحصلة وعودا على صلب الموضوع الاساس التعليم الديني حاجة وضرورة.
وحتى لا نلفق وننسج عن بعضنا البعض اساطير وقصص الرعب والخوف من الاخر، ولكي لا يبقى الحذر المتبادل.
12
حتى تترفع كل الحواجز المصطنعة بين الناس التي تنسب إلى الدين.
والدين براء منها كبراءة الذئب من دم يوسف .
ان الدين وسيلة تقريب لا ترهيب، وحتى يفهم الاخر ان الذي يستبيحه ويقتله متلطيا باسم الدين، انما هو مجرم مرتين للجرم الذي ارتكب وللصفة التي انتحل وهذا لعلمي ديدن كل اديان السماء.
دعونا لا نلقى اللوم على الأديان والمذاهب بل نلوم أنفسنا لأننا قصرنا عن المعرفة المطلوبة لجلاء الحقائق.أو افترض بحسن نية اننا لانريد.
واخلص إلى القول انه لا بد من صوغ منهاجا دينيا تعليميا مشتركا يعلم أبنائنا ويعرفهم بعضهم ببعض، من قبل ذو الاختصاص، حتى ياخذ العلم من أهله ليرقى بهم إلى مصاف الإنسان الذي لا يكن لأخيه الإنسان إلا الاحترام والحب.
وهذه خطوة لا بد ان نخطوها الآن للمستقبل وعسى ان تكون قبل فوات الأوان.

بيروت 7/6/2006

No comments:

Post a Comment