بنو عمار اسرة تعود اصولها الى قبيلة كتامة المغربية الافريقية (1)، وعند قيام الدولة الفاطمية كان شيوخ هذه القبيلة ممن لهم الصدارة في مؤسساتها الادارية والعسكرية ، نذكر منهم الحسن بن عمار الذي كان من ابرز رجال الخليفة الفاطمي العزيز بالله .
ثم كان بنو عمار قضاة طرابلس ثم اصبحوا امراءها فمنهم ابن الدولة ابو طالب الحسن بن عمار المتوفي سنة 464هـ ثم جلال الملك ابو الحسن علي بن عمار المتوفي سنة هـ492 ثم فخر الملك عماد بن محمد بن عماد المتوفي حوالي سنة 514هـ وابو المناقب شمس الملوك ابو الفرج محمد بن عمار المتوفي سنة 501هـ .كان استقلال بني عمار بطرابلس سنة 462هـ (1070) م وكانت امارتهم تمتد حتى تخوم بيروت من جهة وحتى ارباض انطاكية من جهة ثانية .وقد نمت امارتهم نموا عظيما حتى اصبحت طرابلس في القرن الحادي عشر اعظم مدينة على طول الساحل الشرقي للبحر المتوسط ، وكانت اساطيلها تتنقل في انحاء هذا البحر ن فهي المنفذ البحري الرئيسي لبلاد الشام عن طريق يتم التصدير والاستيراد وتنقل منتجات الشام والشرق الى اوربا واليه من الخارج لتحمل منه الى سائر بلاد الشام . وكان بنو عمار وهم مثقلون برد الهجمات الصليبية من البر والبحر يسّرون اسطولهم التجاري الى ثغور البحر المتوسط (2) وظلت طرابلس ومعها دمشق تمونان اوربا حتى اواخر العصور الوسطى بالسكر بجميع اشكاله المعروفة آنذاك بشكل رقائق او ناعم بشكل دقيق او حلوى (3) وكان التاجر الاوروبي القادم من البندقية او جنوى يعود الى بلاده وهو يحمل سلال السكر واكياسه من طرابلس (4)، وكان فخر الملك عمار بن محمد بن عماد يلقب بملك الساحل.واذا كنا نعلم ان الحسن بن عمار هو الذي ارسل في عهد العزيز بالله ، ابا تميم سليمان بن جعفر بن فلاح الكتامي الى دمشق، واذا ابا تميم هذا ارسل اخاه علي بن جعفر بن فلاح واليا على طرابلس سنة 386هـ.
1- يقول المؤرخ المغربي الدكتور موسى لقبال فيما يقول عن قبيلة كتامة: يحمل تاريخ قبيلة كتامة وعلاقتهم بالحركة الفاطمية منذ القرن الثالث للهجرة عدة معان ودلالات منها: ان عملهم يعبر عن فترة حاسمة في نهضة الفروسية الاسلامية في بلاد المغرب وهو يمثل ايضا دورا ايجابيا للاسلام الشيعي ......وبفضل عمل كتامة سرى تيار الوحدة واصبحت اصداؤه هي المسموعة في ارجاء المغرب والمشرق ايضا ... واهملهم المؤرخون وغطوا محاسنهم تاثرا بالسياسة وبالمذهبية ...ومحبة آل البيت وتأييدهم ودعم قضية الشيعة الفاطميين كانت ظاهرة بارزهم في مجموعهم وارتبطت بالعصبية القومية وبالشرف ...ويبدو ان السبب في اختفاء بقايا كتامة في تونس هو السبب في اختفاء اسمها الاصلي القديم من بيأتها الاولى، أي يرتبط بحرص رجال المالكية على طمس كل ما يتصل بهذه القبيلة المبتدعة في نظرهم! ...وكانت مصر بالنسبة لقادة كتامة هي مركز الجذب ونقطة الارتكاز لكل من اراد الظهور والمجد في ميادين السياسة والجندية ...
وفي مجال البحث عن بذور حركة التشيع وعن كيفية تسرب الدعوة الفاطمية الى بلاد المغرب نشير الى ما تمتعت به شخصية علي بن ابي طالب عند جميع المسلمين في المغرب من محبة وتقدير كمجتهد في الرأي وكولي من اولياء الله وفارس مظفر حتى ان جهوده اثناء حركة نشر الاسلام ضد قريش وضد اليهود في خيبر وغيرها من واحات شبه الجزيرة، يتغنى بها عامة المسلمين في هذه البلاد. وجاء حادث قتله غيلة وظلما ليرفعه الى مقام رفيع وهو مقام الشهداء. وجمهور العامة في هذا الوقت يروون عن (السيد علي او علال ) كثيرا من الخوارق، كما يخلعون عليه لقب ( حيدر ) وهو من القاب الامام علي، وهذا اللقب شائع في بلاد المغرب. ويسمون فرسه باسم السرحان الذي يعتقدون انه لا يغلب، وان مصدر نبات النرجس من لعابه. وصورته وحده او مع ابنية الحسن والحسين ، ثم وهو راكب على جواده تنتشر في الاسواق ويتبرك الناس بتعليقها على جدران البيوت.ويعتقد كثير من الناس ان علامة الخمسة وهي صورة الكف التي ترمز فيما يبدو الى آل البيت او اصحاب الكساء مفيدة في الوقاية من شر العين. والحسد .وجل قصائد القصاص الشعبيين في الاسواق تدور حول بطولات علي بن ابي طالب الذي غدا الصورة النموذجية لكل الفرسان والابطال.
ويشير ابن ابي الضياف الى مدى ما يكنه مسلمو المغرب جميعا من محبة لعلي ع وآلة جبلة في طباعهم في قوله:" واهل افريقيا (المقصود بافريقيا هنا: تونس بالذات ) يدينون بحب علي وآله ويستوي في ذلك عالمهم وجاهلهم جبلة في طباعهم ". وبعد ان يؤيد ذلك بأن النساء الحوامل في افريقيا والمغرب ينادين عند الوضع: يا محمد يا علي لتسهل الولادة وبأن ابا الحسن الشاذلي الامام المتصوف وصاحب الطريقة الشاذلية كان يوصي اصحابه ومريديه بقوله: " اذا اشتد عليكم كرب فقولوا: يا محمد يا علي.
ويرى الدكتور لقبال بعد هذا ليس ناشئا من تأثير قيام الدولة الفاطمية في تلك البلاد فقط بل لا يستبعد ان يكون لمذهب مالك بن انس الذي يأخذ به كافة مسلمي المغرب عدا الخوارج، اثر في ذلك بسبب صلة مالك بجعفر الصادق (ع) الذي أخذ عنه وتأثر به.
2 - الحياة الثقافية في طرابلس ص 153 - لبنان في التاريخ لفليب حتي ص 414 ط 19594 - فضل العرب على اوربا لسيفريو هونكه ص 28 ط القاهرة5 - من تلاميذ الشيخ المفيد والشيخ الطوسي. كان نزيل الرملة( فلسطين ) واخذ عن بعض المشايخ في حلب والقاهرة ومكة وبغداد وغيرها من البلدان وتوفى في صور (لبنان) سنة 449 هـ له مؤلفات كثيرة بلغت السبعين.
منها: كنز الفوائد، والاستطراف في ذكر ما ورد من الفقه في الانصاف، والاستنصار في النص على الأئمة الاطهار، والاعلام بحقيقة ايمان امير المؤمنين واولاده الكرام، والبيان عن جمل اعتقاد اهل الايمان، وتهذيب المسترشدين، وشرح جمل العلم للمرتضى، ومعارضة الاضداد باتفاق الاعداد، ومعدن الجواهر ورياضة الخواطر.
والكراجكي: بفتح الكاف نسبة الى الكراجك عمل الخيم، ولهذا وصفه بعضهم بالخيمي. وضبطه بعضهم بضم الجيم نسبة الى الكراجك: قرية على باب واسط ذكرها ياقوت في معجم البلدان. ويقول السيد الامين في ( اعيان الشيعة ): ان هذا ليس بصحيح وكان الكراجكي نحويا لغويا فلكيا متكلما فقهيا محدثا، الى ذلك طبيبا.
ويقول السيد بحر العلوم في رجاله عن كتابه كنز الفوائد: يدل على فضله وبلوغه الغاية القصوى في التحقيق والتدقيق والاطلاع على المذاهب والاخبار، مع حسن الطريقة وعذوبة الالفاظ.
اما اول من استقل بطرابلس من بني عمار فهو ابو طالب الحسن بن عمار المشهور بأمين الدولة وقد ظل يعتبر نفسه تابعا للدولة الفاطمية حتى سنة 462 هـ (1070 م ) حيث استقل بطرابلس فقامت بذلك امارة بني عمار. ومات امين الدولة سنة 464هـ (1072م) فتولى بعده ابن اخيه علي بن محمد بن عمار المعروف بجلال الدولة الذي استمر حكمه حتى سنة 492هـ وتولى بعده اخوه عمار بن محمد بن عمار ذو السعدين المعروف بفخر الملك وبقي حتى سنة 501هـ حيث ذهب الى بغداد مستنخدا بالسلاجقة على الصليبين وفي سنة 502هـ (1109) احتل الصليبيون طرابلس بعد نضال طويل.
منقبة مؤسس الامارة امين الدولة
الحسن بن عمار
كان امين الدولة كبير العقل سديد الرأي عالما، فقهيا، كاتبا مجيدا، الف كثيرا من الكتب النفيسة. اما منقبته الكبرى فهي تأسيسه ( دار العلم ) التي جمع فيها اول الامر اكثر من مئة الف كتاب، وكان يبعث في التفتيش عن الكتب الى جميع الاقطار ويبذل في شرائها باهظ الاثمان، ويجلب لها الكتب النادرة واستمر هذا الأمر بعده في عهد خلفائه. هذا فضلا عن عنايته بالعلم وطلابه فيها وتشجيعهم على الوصول الى طرابلس لمتابعة الدراسة.والى جانب دار العلم قامت " دار الحكمة " التي قدم اليها العدد الكثير من طلاب العلم، حتى لقد اصبحت طرابلس كعبة علم ومركزا من اعظم المراكز العلمية في العصر الوسيط يفد اليها طلاب العلوم والفنون من فقه وحديث ولغة وادب وفلسفة وهندسة وطب.وعدا طلاب العلم فقد كان يفد اليها العلماء لمراجعة المؤلفات لاشهر المؤلفين في العلوم والمعارف. كما كانت تعقد حلقات علمية لكبار العلماء ينضم اليها العلماء الوافدون الى طرابلس للاستزادة من العلم .وقد جدد دار العلم الذي انشأها امين الدولة، ابن اخيه وخليفته جلال الدولة سنة 472 هـ (1082م) اذ كانت الظروف مؤاتية لجلال الدولة اكثر مما كانت مؤاتية لعمه وسلفه امين الدولة. ففي عهد الاول كانت الامارة في دور التأسيس، كما ان عمر حكمه كان قصيرا. اما جلال الدولة فقد استمر في الحكم زهاء ثمانية وعشرين عاما اتسعت فيها اطرافها وعظم ثراؤها ونشطت تجارتها . وكانت طرابلس تبعث الحكام والقضاة والخطباء الى البلاد التابعة لها مثل عرقة وجبيل وجبلة وانطرطوس. وقد عين جلال الدولة بدار العلم عناية فائقة وجعل لطلاب العلم فيها رواتب وفرق على اهلها ذهبا، وجعل لها نظارا يتولون القيام بذلك.وكان شعراء الشام يفدون لمدح امراء بني عمار ونيل جوائزهم فيلقون الترحيب والتكريم. وكثرت حلقات التدريس وازدحمت المدينة بأشهر الاعلام من ادباء وفقهاء وشعراء ولغويين من الذين يفدون اليها من كل مكان وقصدها الناس على اختلاف اجناسهم واديانهم ومذاهبهم وكانوا جميعا يعيشون بجو من التسامح كمايفد اليها التجار والرحالة وطلبة العلم والعلماء من كل البلاد (4) كما ازدهرت فيها ترجمة العلوم والآداب عن اللاتينية والفارسية وغيرهما الى الغة العربية ومنها الى اللغات الاخرى، وسادت في ذلك كبريات الحواضر العربية، فكثر فيها المترجمون والناسخون والكتاب والخطاطون ويقول ( ستيفن نسيمان ) في كتاب تاريخ الحروب (3) عن المكتبة انها اصبحت اروع مكتبة في العالم.
وعندما سقطت طليطلة في الاندلس في ايدي القشتاليين سنة 478هـ (1085 ) يبدو انه هاجر فريق من علمائها الى طرابلس كان منهم: احمد بن محمد ابو عبد الله الطليطلي فاحتضنه بنو عمار، وجعلوه متوليا لدار العلم. اذ كانوا يختارون للنظر في امور ها كبار رجال العلم من امثال: الحسين بن بشر بن علي بن بشر المعروف بالقاضي، واسعد بن ابي روح (5) وغيرهما من امثالهما.(3) ترجمة د. العريني ج 2 ص 113 بيروت 1939.(4) الحياة الثقافية في طرابلس الشام ص 14.(5) كان ابن بشر خطيبا، وقد جرت ببينه وبين الخطيب البغدادي صاحب ( تاريخ بغداد ) منظرة في الخطابة، وقد ذكر هذه المنظرة الكراكجي في رحلته وقال انه حكم لابن بشر على الخطيب البغدادي بالتقدم بالعلم واما اسعد بن روح فقد كان قاضيا الطرابلس في عهد جلال الملك وكان متعبدا زاهدا وقد أخذ القضاء عن عبد العزيز بن البراج المتوفي في سنة 481.ويقول ابن ابي طي: اسعد بن احمد بن ابي روح عقدت له حلقة الاقراء وانفرد بالشام وطرابلس وفلسطين بعد ابن البراج.
وقيل انه كانت له دار كتب خاصة جمع فيها ازيد من اربعة آلاف مجلدة وانه اتخذها في حيفا عند تحوله اليها، وقيل انه قتل فيها عندما احتلها الصليبيون وقيل انه قتل في صيدا وقيل انه انتقل الى دمشق ومات بها سنة 520هـ وله عدة مؤلفات منها: عيون الادلة في معرفة الله، وكتاب التبصرة في معرفة المذهبين الشافعية والامامية، وكتاب المقتبس في الخلاف مع مالك بن انس، وكتاب النور في عبادة الايام والشهور، وكتاب البيان عن حقية الانسان، وكتاب الفرائض ، وكتاب البراهين وغير ذلك.
المؤرخ السيد حسن الامين
1- يقول المؤرخ المغربي الدكتور موسى لقبال فيما يقول عن قبيلة كتامة: يحمل تاريخ قبيلة كتامة وعلاقتهم بالحركة الفاطمية منذ القرن الثالث للهجرة عدة معان ودلالات منها: ان عملهم يعبر عن فترة حاسمة في نهضة الفروسية الاسلامية في بلاد المغرب وهو يمثل ايضا دورا ايجابيا للاسلام الشيعي ......وبفضل عمل كتامة سرى تيار الوحدة واصبحت اصداؤه هي المسموعة في ارجاء المغرب والمشرق ايضا ... واهملهم المؤرخون وغطوا محاسنهم تاثرا بالسياسة وبالمذهبية ...ومحبة آل البيت وتأييدهم ودعم قضية الشيعة الفاطميين كانت ظاهرة بارزهم في مجموعهم وارتبطت بالعصبية القومية وبالشرف ...ويبدو ان السبب في اختفاء بقايا كتامة في تونس هو السبب في اختفاء اسمها الاصلي القديم من بيأتها الاولى، أي يرتبط بحرص رجال المالكية على طمس كل ما يتصل بهذه القبيلة المبتدعة في نظرهم! ...وكانت مصر بالنسبة لقادة كتامة هي مركز الجذب ونقطة الارتكاز لكل من اراد الظهور والمجد في ميادين السياسة والجندية ...
وفي مجال البحث عن بذور حركة التشيع وعن كيفية تسرب الدعوة الفاطمية الى بلاد المغرب نشير الى ما تمتعت به شخصية علي بن ابي طالب عند جميع المسلمين في المغرب من محبة وتقدير كمجتهد في الرأي وكولي من اولياء الله وفارس مظفر حتى ان جهوده اثناء حركة نشر الاسلام ضد قريش وضد اليهود في خيبر وغيرها من واحات شبه الجزيرة، يتغنى بها عامة المسلمين في هذه البلاد. وجاء حادث قتله غيلة وظلما ليرفعه الى مقام رفيع وهو مقام الشهداء. وجمهور العامة في هذا الوقت يروون عن (السيد علي او علال ) كثيرا من الخوارق، كما يخلعون عليه لقب ( حيدر ) وهو من القاب الامام علي، وهذا اللقب شائع في بلاد المغرب. ويسمون فرسه باسم السرحان الذي يعتقدون انه لا يغلب، وان مصدر نبات النرجس من لعابه. وصورته وحده او مع ابنية الحسن والحسين ، ثم وهو راكب على جواده تنتشر في الاسواق ويتبرك الناس بتعليقها على جدران البيوت.ويعتقد كثير من الناس ان علامة الخمسة وهي صورة الكف التي ترمز فيما يبدو الى آل البيت او اصحاب الكساء مفيدة في الوقاية من شر العين. والحسد .وجل قصائد القصاص الشعبيين في الاسواق تدور حول بطولات علي بن ابي طالب الذي غدا الصورة النموذجية لكل الفرسان والابطال.
ويشير ابن ابي الضياف الى مدى ما يكنه مسلمو المغرب جميعا من محبة لعلي ع وآلة جبلة في طباعهم في قوله:" واهل افريقيا (المقصود بافريقيا هنا: تونس بالذات ) يدينون بحب علي وآله ويستوي في ذلك عالمهم وجاهلهم جبلة في طباعهم ". وبعد ان يؤيد ذلك بأن النساء الحوامل في افريقيا والمغرب ينادين عند الوضع: يا محمد يا علي لتسهل الولادة وبأن ابا الحسن الشاذلي الامام المتصوف وصاحب الطريقة الشاذلية كان يوصي اصحابه ومريديه بقوله: " اذا اشتد عليكم كرب فقولوا: يا محمد يا علي.
ويرى الدكتور لقبال بعد هذا ليس ناشئا من تأثير قيام الدولة الفاطمية في تلك البلاد فقط بل لا يستبعد ان يكون لمذهب مالك بن انس الذي يأخذ به كافة مسلمي المغرب عدا الخوارج، اثر في ذلك بسبب صلة مالك بجعفر الصادق (ع) الذي أخذ عنه وتأثر به.
2 - الحياة الثقافية في طرابلس ص 153 - لبنان في التاريخ لفليب حتي ص 414 ط 19594 - فضل العرب على اوربا لسيفريو هونكه ص 28 ط القاهرة5 - من تلاميذ الشيخ المفيد والشيخ الطوسي. كان نزيل الرملة( فلسطين ) واخذ عن بعض المشايخ في حلب والقاهرة ومكة وبغداد وغيرها من البلدان وتوفى في صور (لبنان) سنة 449 هـ له مؤلفات كثيرة بلغت السبعين.
منها: كنز الفوائد، والاستطراف في ذكر ما ورد من الفقه في الانصاف، والاستنصار في النص على الأئمة الاطهار، والاعلام بحقيقة ايمان امير المؤمنين واولاده الكرام، والبيان عن جمل اعتقاد اهل الايمان، وتهذيب المسترشدين، وشرح جمل العلم للمرتضى، ومعارضة الاضداد باتفاق الاعداد، ومعدن الجواهر ورياضة الخواطر.
والكراجكي: بفتح الكاف نسبة الى الكراجك عمل الخيم، ولهذا وصفه بعضهم بالخيمي. وضبطه بعضهم بضم الجيم نسبة الى الكراجك: قرية على باب واسط ذكرها ياقوت في معجم البلدان. ويقول السيد الامين في ( اعيان الشيعة ): ان هذا ليس بصحيح وكان الكراجكي نحويا لغويا فلكيا متكلما فقهيا محدثا، الى ذلك طبيبا.
ويقول السيد بحر العلوم في رجاله عن كتابه كنز الفوائد: يدل على فضله وبلوغه الغاية القصوى في التحقيق والتدقيق والاطلاع على المذاهب والاخبار، مع حسن الطريقة وعذوبة الالفاظ.
اما اول من استقل بطرابلس من بني عمار فهو ابو طالب الحسن بن عمار المشهور بأمين الدولة وقد ظل يعتبر نفسه تابعا للدولة الفاطمية حتى سنة 462 هـ (1070 م ) حيث استقل بطرابلس فقامت بذلك امارة بني عمار. ومات امين الدولة سنة 464هـ (1072م) فتولى بعده ابن اخيه علي بن محمد بن عمار المعروف بجلال الدولة الذي استمر حكمه حتى سنة 492هـ وتولى بعده اخوه عمار بن محمد بن عمار ذو السعدين المعروف بفخر الملك وبقي حتى سنة 501هـ حيث ذهب الى بغداد مستنخدا بالسلاجقة على الصليبين وفي سنة 502هـ (1109) احتل الصليبيون طرابلس بعد نضال طويل.
منقبة مؤسس الامارة امين الدولة
الحسن بن عمار
كان امين الدولة كبير العقل سديد الرأي عالما، فقهيا، كاتبا مجيدا، الف كثيرا من الكتب النفيسة. اما منقبته الكبرى فهي تأسيسه ( دار العلم ) التي جمع فيها اول الامر اكثر من مئة الف كتاب، وكان يبعث في التفتيش عن الكتب الى جميع الاقطار ويبذل في شرائها باهظ الاثمان، ويجلب لها الكتب النادرة واستمر هذا الأمر بعده في عهد خلفائه. هذا فضلا عن عنايته بالعلم وطلابه فيها وتشجيعهم على الوصول الى طرابلس لمتابعة الدراسة.والى جانب دار العلم قامت " دار الحكمة " التي قدم اليها العدد الكثير من طلاب العلم، حتى لقد اصبحت طرابلس كعبة علم ومركزا من اعظم المراكز العلمية في العصر الوسيط يفد اليها طلاب العلوم والفنون من فقه وحديث ولغة وادب وفلسفة وهندسة وطب.وعدا طلاب العلم فقد كان يفد اليها العلماء لمراجعة المؤلفات لاشهر المؤلفين في العلوم والمعارف. كما كانت تعقد حلقات علمية لكبار العلماء ينضم اليها العلماء الوافدون الى طرابلس للاستزادة من العلم .وقد جدد دار العلم الذي انشأها امين الدولة، ابن اخيه وخليفته جلال الدولة سنة 472 هـ (1082م) اذ كانت الظروف مؤاتية لجلال الدولة اكثر مما كانت مؤاتية لعمه وسلفه امين الدولة. ففي عهد الاول كانت الامارة في دور التأسيس، كما ان عمر حكمه كان قصيرا. اما جلال الدولة فقد استمر في الحكم زهاء ثمانية وعشرين عاما اتسعت فيها اطرافها وعظم ثراؤها ونشطت تجارتها . وكانت طرابلس تبعث الحكام والقضاة والخطباء الى البلاد التابعة لها مثل عرقة وجبيل وجبلة وانطرطوس. وقد عين جلال الدولة بدار العلم عناية فائقة وجعل لطلاب العلم فيها رواتب وفرق على اهلها ذهبا، وجعل لها نظارا يتولون القيام بذلك.وكان شعراء الشام يفدون لمدح امراء بني عمار ونيل جوائزهم فيلقون الترحيب والتكريم. وكثرت حلقات التدريس وازدحمت المدينة بأشهر الاعلام من ادباء وفقهاء وشعراء ولغويين من الذين يفدون اليها من كل مكان وقصدها الناس على اختلاف اجناسهم واديانهم ومذاهبهم وكانوا جميعا يعيشون بجو من التسامح كمايفد اليها التجار والرحالة وطلبة العلم والعلماء من كل البلاد (4) كما ازدهرت فيها ترجمة العلوم والآداب عن اللاتينية والفارسية وغيرهما الى الغة العربية ومنها الى اللغات الاخرى، وسادت في ذلك كبريات الحواضر العربية، فكثر فيها المترجمون والناسخون والكتاب والخطاطون ويقول ( ستيفن نسيمان ) في كتاب تاريخ الحروب (3) عن المكتبة انها اصبحت اروع مكتبة في العالم.
وعندما سقطت طليطلة في الاندلس في ايدي القشتاليين سنة 478هـ (1085 ) يبدو انه هاجر فريق من علمائها الى طرابلس كان منهم: احمد بن محمد ابو عبد الله الطليطلي فاحتضنه بنو عمار، وجعلوه متوليا لدار العلم. اذ كانوا يختارون للنظر في امور ها كبار رجال العلم من امثال: الحسين بن بشر بن علي بن بشر المعروف بالقاضي، واسعد بن ابي روح (5) وغيرهما من امثالهما.(3) ترجمة د. العريني ج 2 ص 113 بيروت 1939.(4) الحياة الثقافية في طرابلس الشام ص 14.(5) كان ابن بشر خطيبا، وقد جرت ببينه وبين الخطيب البغدادي صاحب ( تاريخ بغداد ) منظرة في الخطابة، وقد ذكر هذه المنظرة الكراكجي في رحلته وقال انه حكم لابن بشر على الخطيب البغدادي بالتقدم بالعلم واما اسعد بن روح فقد كان قاضيا الطرابلس في عهد جلال الملك وكان متعبدا زاهدا وقد أخذ القضاء عن عبد العزيز بن البراج المتوفي في سنة 481.ويقول ابن ابي طي: اسعد بن احمد بن ابي روح عقدت له حلقة الاقراء وانفرد بالشام وطرابلس وفلسطين بعد ابن البراج.
وقيل انه كانت له دار كتب خاصة جمع فيها ازيد من اربعة آلاف مجلدة وانه اتخذها في حيفا عند تحوله اليها، وقيل انه قتل فيها عندما احتلها الصليبيون وقيل انه قتل في صيدا وقيل انه انتقل الى دمشق ومات بها سنة 520هـ وله عدة مؤلفات منها: عيون الادلة في معرفة الله، وكتاب التبصرة في معرفة المذهبين الشافعية والامامية، وكتاب المقتبس في الخلاف مع مالك بن انس، وكتاب النور في عبادة الايام والشهور، وكتاب البيان عن حقية الانسان، وكتاب الفرائض ، وكتاب البراهين وغير ذلك.
المؤرخ السيد حسن الامين
No comments:
Post a Comment